ثم قال تعالى : ( وشروه بثمن بخس دراهم معدودة    ) أما قوله : ( وشروه    ) ففيه قولان : 
القول الأول : المراد من الشراء هو البيع ، وعلى هذا التقدير ففي ذلك البائع قولان : 
القول الأول : قال  ابن عباس  رضي الله عنه ما إن إخوة يوسف  لما طرحوا يوسف  في الجب ورجعوا عادوا بعد ثلاث يتعرفون خبره ، فلما لم يروه في الجب ورأوا آثار السيارة طلبوهم فلما رأوا يوسف  قالوا : هذا عبدنا أبق منا ، فقالوا لهم : فبيعوه منا فباعوه منهم ، والمراد من قوله : ( وشروه    ) أي باعوه ، يقال : شريت الشيء إذا بعته ، وإنما وجب حمل هذا الشراء على البيع ، لأن الضمير في قوله : ( وشروه    ) وفي قوله : ( وكانوا فيه من الزاهدين    ) عائد إلى شيء واحد ، لكن الضمير في قوله : ( وكانوا فيه من الزاهدين    ) عائد إلى الإخوة ، فكذا في قوله : ( وشروه    ) يجب أن يكون عائدا إلى الإخوة ، وإذا كان كذلك فهم باعوه فوجب حمل هذا الشراء على البيع . 
والقول الثاني : أن بائع يوسف   هم الذين استخرجوه من البئر ، وقال  محمد بن إسحاق    : ربك أعلم أإخوته باعوه أم السيارة ، وههنا قول آخر وهو أنه يحتمل أن يقال : المراد من الشراء نفس الشراء ، والمعنى أن القوم اشتروه وكانوا فيه من الزاهدين ، لأنهم علموا بقرائن الحال أن إخوة يوسف  كذابون في قولهم إنه عبدنا ، وربما عرفوا أيضا أنه ولد يعقوب  فكرهوا شراءه خوفا من الله تعالى ومن ظهور تلك الواقعة ، إلا أنهم مع ذلك اشتروه بالآخرة ؛ لأنهم اشتروه بثمن قليل مع أنهم أظهروا من أنفسهم كونهم فيه من الزاهدين ، وغرضهم أن يتوصلوا بذلك إلى تقليل الثمن ، ويحتمل أيضا أن يقال إن الإخوة لما قالوا : إنه عبدنا أبق صار المشتري عديم الرغبة فيه . قال  مجاهد    : وكانوا يقولون استوثقوا منه لئلا يأبق . 
ثم اعلم أنه تعالى وصف ذلك الثمن بصفات ثلاث : 
الصفة الأولى : كونه بخسا . قال  ابن عباس    : يريد حراما لأن ثمن الحر حرام ، وقال : كل بخس في كتاب الله نقصان إلا هذا فإنه حرام ، قال الواحدي    : سموا الحرام بخسا لأنه ناقص البركة ، وقال قتادة    : بخس   [ ص: 87 ] ظلم والظلم نقصان ، يقال ظلمه أي نقصه ، وقال عكرمة   والشعبي    : قليل ، وقيل : ناقص عن القيمة نقصانا ظاهرا ، وقيل : كانت الدراهم زيوفا ناقصة العيار . قال الواحدي    - رحمه الله تعالى - : وعلى الأقوال كلها ، فالبخس مصدر وضع موضع الاسم ، والمعنى بثمن مبخوس . 
الصفة الثانية : قوله : ( دراهم معدودة    ) قيل : تعد عدا ولا توزن ، لأنهم كانوا لا يزنون إلا إذا بلغ أوقية ، وهي الأربعون ، ويعدون ما دونها ، فقيل للقليل معدود ، لأن الكثيرة يمتنع من عدها لكثرتها ، وعن  ابن عباس  كانت عشرين درهما ، وعن السدي  اثنين وعشرين درهما . قالوا : والإخوة كانوا أحد عشر فكل واحد منهم أخذ درهمين إلا يهوذا  لم يأخذ شيئا . 
الصفة الثالثة : قوله : ( وكانوا فيه من الزاهدين    ) ومعنى الزهد  قلة الرغبة ، يقال زهد فلان في كذا إذا لم يرغب فيه وأصله القلة ، يقال : رجل زهيد إذا كان قليل الطمع ، وفيه وجوه : 
أحدها : أن إخوة يوسف  باعوه ؛ لأنهم كانوا فيه من الزاهدين . 
والثاني : أن السيارة الذين باعوه كانوا فيه من الزاهدين ، لأنهم التقطوه ، والملتقط للشيء متهاون به لا يبالي بأي شيء يبيعه ، أو لأنهم خافوا أن يظهر المستحق فينزعه من يدهم ، فلا جرم باعوه بأوكس الأثمان . 
والثالث : أن الذين اشتروه كانوا فيه من الزاهدين ، وقد سبق توجيه هذه الأقوال فيما تقدم ، والضمير في قوله : ( فيه    ) يحتمل أن يكون عائدا إلى يوسف  عليه السلام ، ويحتمل أن يكون عائدا إلى الثمن البخس ، والله أعلم . 
				
						
						
