ثم إنه تعالى أكد بيان كونه عالما بكل المعلومات ، فقال : ( سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : لفظ [سواء] يطلب اثنين تقول : سواء زيد وعمرو ، ثم فيه وجهان :
الأول : أن سواء مصدر ، والمعنى : ذو سواء كما تقول : عدل زيد وعمرو ، أي ذوا عدل.
الثاني : أن يكون سواء بمعنى مستو ، وعلى هذا التقدير فلا حاجة إلى الإضمار ، إلا أن يستقبح أن يقول : مستو زيد وعمرو ؛ لأن أسماء الفاعلين إذا كانت نكرات لا يبدأ بها. سيبويه
ولقائل أن يقول : بل هذا الوجه أولى لأن حمل الكلام عليه يغني عن التزام الإضمار الذي هو خلاف الأصل.
المسألة الثانية : في المستخفي والسارب قولان :
القول الأول : يقال : أخفيت الشيء أخفيه إخفاء ، فخفي واستخفى فلان من فلان ، أي توارى واستتر. وقوله : ( وسارب بالنهار ) قال الفراء والزجاج : ظاهر بالنهار في سربه أي طريقه. يقال : خلا له سربه ، أي طريقه. وقال الأزهري : تقول العرب سربت الإبل تسرب سربا ، أي مضت في الأرض ظاهرة حيث شاءت ، فإذا عرفت ذلك فمعنى الآية : سواء كان الإنسان مستخفيا في الظلمات أو كان ظاهرا في الطرقات ، ، قال فعلم الله تعالى محيط بالكل رضي الله عنهما : سواء ما أضمرته القلوب وأظهرته الألسنة ، وقال ابن عباس : سواء من يقدم على القبائح في ظلمات الليالي ، ومن يأتي بها في النهار الظاهر على سبيل التوالي. مجاهد
والقول الثاني : نقله الواحدي عن الأخفش وقطرب أنه قال : المستخفي الظاهر والسارب المتواري ، ومنه يقال : خفيت الشيء وأخفيته ؛ أي أظهرته. واختفيت الشيء استخرجته ، ويسمى النباش المستخفي ، والسارب المتواري ، ومنه يقال للداخل سربا ، والسرب الوحش إذا دخل في السرب أي في كناسه. قال الواحدي : وهذا الوجه صحيح في اللغة ، إلا أن الاختيار هو الوجه الأول لإطباق أكثر المفسرين عليه ، وأيضا فالليل يدل على الاستتار ، والنهار على الظهور والانتشار .