(
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=25والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار ) .
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=25والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار ) .
اعلم أنه تعالى لما ذكر صفات السعداء وذكر ما يترتب عليها من الأحوال الشريفة العالية أتبعها بذكر حال الأشقياء ، وذكر ما يترتب عليها من الأحوال المخزية المكروهة ، وأتبع الوعد بالوعيد والثواب بالعقاب ، ليكون البيان كاملا فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=25والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ) وقد بينا أن
nindex.php?page=treesubj&link=18085_30945عهد الله ما ألزم عباده بواسطة الدلائل العقلية والسمعية ؛ لأنها أوكد من كل عهد وكل يمين ، إذ الأيمان إنما تفيد التوكيد بواسطة الدلائل الدالة على أنها توجب الوفاء بمقتضاها ، والمراد من نقض هذه العهود أن لا ينظر المرء في الأدلة أصلا ، فحينئذ لا يمكنه العمل بموجبها أو بأن ينظر فيها ويعلم صحتها ، ثم يعاند فلا يعمل بعمله أو بأن ينظر في الشبهة فيعتقد
[ ص: 38 ] خلاف الحق ، والمراد من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=25من بعد ميثاقه ) أي من بعد أن وثق الله تلك الأدلة وأحكمها ؛ لأنه لا شيء أقوى مما دل الله على وجوبه في أنه ينفع فعله ويضر تركه.
فإن قيل : إذا كان العهد لا يكون إلا مع الميثاق فما فائدة اشتراطه تعالى بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=25من بعد ميثاقه ) .
قلنا : لا يمتنع أن يكون المراد بالعهد هو ما كلف الله العبد ، والمراد بالميثاق الأدلة المؤكدة ؛ لأنه تعالى قد يؤكد إليك العهد بدلائل أخرى سواء كانت تلك المؤكدة دلائل عقلية أو سمعية.
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=25ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ) وذلك في مقابلة قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=21والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ) فجعل من صفات هؤلاء القطع بالضد من ذلك الوصل ، والمراد به قطع كل ما أوجب الله وصله ، ويدخل فيه وصل الرسول بالموالاة والمعاونة ووصل المؤمنين ، ووصل الأرحام ، ووصل سائر من له حق ، ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=25ويفسدون في الأرض ) وذلك الفساد هو الدعاء إلى غير دين الله وقد يكون بالظلم في النفوس والأموال وتخريب البلاد ، ثم إنه تعالى بعد ذكر هذه الصفات قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=25أولئك لهم اللعنة ) واللعنة من الله الإبعاد من خيري الدنيا والآخرة إلى ضدهما من عذاب ونقمة ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=25ولهم سوء الدار ) لأن المراد جهنم ، وليس فيها إلا ما يسوء الصائر إليها.
(
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=25وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ) .
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=25وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ) .
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ صِفَاتِ السُّعَدَاءِ وَذَكَرَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنَ الْأَحْوَالِ الشَّرِيفَةِ الْعَالِيَةِ أَتْبَعَهَا بِذِكْرِ حَالِ الْأَشْقِيَاءِ ، وَذِكْرِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنَ الْأَحْوَالِ الْمُخْزِيَةِ الْمَكْرُوهَةِ ، وَأَتْبَعَ الْوَعْدَ بِالْوَعِيدِ وَالثَّوَابَ بِالْعِقَابِ ، لِيَكُونَ الْبَيَانُ كَامِلًا فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=25وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ ) وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=18085_30945عَهْدَ اللَّهِ مَا أَلْزَمَ عِبَادَهُ بِوَاسِطَةِ الدَّلَائِلِ الْعَقْلِيَّةِ وَالسَّمْعِيَّةِ ؛ لِأَنَّهَا أَوْكَدُ مِنْ كُلِّ عَهْدٍ وَكُلِّ يَمِينٍ ، إِذِ الْأَيْمَانُ إِنَّمَا تُفِيدُ التَّوْكِيدَ بِوَاسِطَةِ الدَّلَائِلِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّهَا تُوجِبُ الْوَفَاءَ بِمُقْتَضَاهَا ، وَالْمُرَادُ مِنْ نَقْضِ هَذِهِ الْعُهُودِ أَنْ لَا يَنْظُرَ الْمَرْءُ فِي الْأَدِلَّةِ أَصْلًا ، فَحِينَئِذٍ لَا يُمْكِنُهُ الْعَمَلُ بِمُوجَبِهَا أَوْ بِأَنْ يَنْظُرَ فِيهَا وَيَعْلَمَ صِحَّتَهَا ، ثُمَّ يُعَانِدَ فَلَا يَعْمَلُ بِعَمَلِهِ أَوْ بِأَنْ يَنْظُرَ فِي الشُّبْهَةِ فَيَعْتَقِدَ
[ ص: 38 ] خِلَافَ الْحَقِّ ، وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=25مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ ) أَيْ مِنْ بَعْدِ أَنْ وَثَّقَ اللَّهُ تِلْكَ الْأَدِلَّةَ وَأَحْكَمَهَا ؛ لِأَنَّهُ لَا شَيْءَ أَقْوَى مِمَّا دَلَّ اللَّهُ عَلَى وُجُوبِهِ فِي أَنَّهُ يَنْفَعُ فِعْلُهُ وَيَضُرُّ تَرْكُهُ.
فَإِنْ قِيلَ : إِذَا كَانَ الْعَهْدُ لَا يَكُونُ إِلَّا مَعَ الْمِيثَاقِ فَمَا فَائِدَةُ اشْتِرَاطِهِ تَعَالَى بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=25مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ ) .
قُلْنَا : لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْعَهْدِ هُوَ مَا كَلَّفَ اللَّهُ الْعَبْدَ ، وَالْمُرَادُ بِالْمِيثَاقِ الْأَدِلَّةُ الْمُؤَكَّدَةُ ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَدْ يُؤَكِّدُ إِلَيْكَ الْعَهْدَ بِدَلَائِلَ أُخْرَى سَوَاءٌ كَانَتْ تِلْكَ الْمُؤَكِّدَةُ دَلَائِلَ عَقْلِيَّةً أَوْ سَمْعِيَّةً.
ثم قال تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=25وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ ) وَذَلِكَ فِي مُقَابَلَةِ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=21وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ ) فَجَعَلَ مِنْ صِفَاتِ هَؤُلَاءِ الْقَطْعَ بِالضِّدِّ مِنْ ذَلِكَ الْوَصْلِ ، وَالْمُرَادُ بِهِ قَطْعُ كُلِّ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ وَصْلَهُ ، وَيَدْخُلُ فِيهِ وَصْلُ الرَّسُولِ بِالْمُوَالَاةِ وَالْمُعَاوَنَةِ وَوَصْلُ الْمُؤْمِنِينَ ، وَوَصْلُ الْأَرْحَامِ ، وَوَصْلُ سَائِرِ مَنْ لَهُ حَقٌّ ، ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=25وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ) وَذَلِكَ الْفَسَادُ هُوَ الدُّعَاءُ إِلَى غَيْرِ دِينِ اللَّهِ وَقَدْ يَكُونُ بِالظُّلْمِ فِي النُّفُوسِ وَالْأَمْوَالِ وَتَخْرِيبِ الْبِلَادِ ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى بَعْدَ ذِكْرِ هَذِهِ الصِّفَاتِ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=25أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ ) وَاللَّعْنَةُ مِنَ اللَّهِ الْإِبْعَادُ مِنْ خَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِلَى ضِدِّهِمَا مِنْ عَذَابٍ وَنِقْمَةٍ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=25وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ) لِأَنَّ الْمُرَادَ جَهَنَّمُ ، وَلَيْسَ فِيهَا إِلَّا مَا يَسُوءُ الصَّائِرَ إِلَيْهَا.