[ ص: 47 ]   ( مثل الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار أكلها دائم وظلها تلك عقبى الذين اتقوا وعقبى الكافرين النار    ) . 
قوله تعالى : ( مثل الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار أكلها دائم وظلها تلك عقبى الذين اتقوا وعقبى الكافرين النار    ) . 
وفي الآية مسائل : 
المسألة الأولى : اعلم أنه تعالى لما ذكر عذاب الكفار في الدنيا والآخرة ، أتبعه بذكر ثواب المتقين وفي قوله : ( مثل الجنة    ) أقوال : 
الأول : قال  سيبويه    : "مثل الجنة" مبتدأ وخبره محذوف والتقدير : فيما قصصنا عليكم مثل الجنة. 
والثاني : قال الزجاج    : مثل الجنة جنة من صفتها كذا وكذا. 
والثالث : مثل الجنة مبتدأ وخبره تجري من تحتها الأنهار ، كما تقول : صفة زيد اسم. 
والرابع : الخبر هو قوله : ( أكلها دائم    ) لأنه الخارج عن العادة ، كأنه قال : ( مثل الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار    ) كما تعلمون من حال جناتكم إلا أن هذه أكلها دائم. 
المسألة الثانية : اعلم أنه تعالى وصف الجنة  بصفات ثلاث : 
أولها : تجري من تحتها الأنهار. 
وثانيها : أن أكلها دائم ، والمعنى : أن جنات الدنيا لا يدوم ورقها وثمرها ومنافعها. أما جنات الآخرة فثمارها دائمة غير منقطعة. 
وثالثها : أن ظلها دائم أيضا ، والمراد أنه ليس هناك حر ولا برد ولا شمس ولا قمر ولا ظلمة ونظيره قوله تعالى : ( لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا    ) [الإنسان : 13] ثم إنه تعالى لما وصف الجنة بهذه الصفات الثلاثة بين أن ذلك عقبى الذين اتقوا يعني : عاقبة أهل التقوى هي الجنة ، وعاقبة الكافرين النار. وحاصل الكلام من هذه الآية أن ثواب المتقين منافع خالصة عن الشوائب موصوفة بصفة الدوام. 
واعلم أن قوله : ( أكلها دائم    ) فيه مسائل ثلاث : 
المسألة الأولى : أنه يدل على أن أكل الجنة لا تفنى  كما يحكى عن جهم  وأتباعه. 
المسألة الثانية : أنه يدل على أن حركات أهل الجنة لا تنتهي إلى سكون دائم ، كما يقوله أبو الهذيل  وأتباعه. 
المسألة الثالثة : قال القاضي : هذه الآية تدل على أن الجنة لم تخلق بعد ؛ لأنها لو كانت مخلوقة لوجب أن تفنى وأن ينقطع أكلها لقوله تعالى : ( كل من عليها فان    ) [الرحمن : 26]. و ( كل شيء هالك إلا وجهه    ) [القصص : 88] لكن لا ينقطع أكلها لقوله تعالى : ( أكلها دائم    ) فوجب أن لا تكون الجنة مخلوقة  ، ثم قال : فلا ننكر أن يحصل الآن في السماوات جنات كثيرة يتمتع بها الملائكة ومن يعد حيا من الأنبياء والشهداء وغيرهم على ما روي في ذلك ، إلا أن الذي نذهب إليه أن جنة الخلد خاصة إنما تخلق بعد الإعادة. 
والجواب : أن دليلهم مركب من آيتين : 
أحدهما : قوله : ( كل شيء هالك إلا وجهه    ) والأخرى قوله : ( أكلها دائم وظلها    ) فإذا أدخلنا التخصيص في أحد هذين العمومين سقط دليلهم ، فنحن نخصص أحد هذين العمومين بالدلائل الدالة على أن الجنة مخلوقة ، وهو قوله تعالى :   [ ص: 48 ]   ( وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين    ) [آل عمران : 133] . 
				
						
						
