واعلم أنه تعالى لما تمم هذا المثال قال : ( ألم تر أن الله خلق السماوات والأرض بالحق ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : وجه النظم أنه تعالى لما بين أن أعمالهم تصير باطلة ضائعة ، بين أن ذلك البطلان والإحباط إنما جاء بسبب صدر منهم وهو كفرهم بالله وإعراضهم عن العبودية ، فإن الله تعالى لا يبطل أعمال المخلصين ابتداء ، وكيف يليق بحكمته أن يفعل ذلك وأنه تعالى ما خلق كل هذا العالم إلا لداعية الحكمة والصواب .
المسألة الثانية : قرأ حمزة والكسائي " خالق السماوات والأرض " على اسم الفاعل على أنه خبر أن ، والسماوات والأرض على الإضافة كقوله : ( فاطر السماوات والأرض ) [ يوسف : 101 ] . ( فالق الإصباح ) [ الأنعام : 96 ] . ( وجعل الليل سكنا ) [ الأنعام : 96 ] والباقون خلق على فعل الماضي ، و " السماوات والأرض " بالنصب لأنه مفعول .
المسألة الثالثة : قوله : ( بالحق ) نظير لقوله في سورة يونس : ( ما خلق الله ذلك إلا بالحق ) [ يونس : 5 ] ، ولقوله في آل عمران : ( ربنا ما خلقت هذا باطلا ) [ آل عمران : 191 ] ، ولقوله في ص : ( وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ) [ ص : 27 ] . أما أهل السنة فيقولون : إلا بالحق وهو دلالتهما على وجود الصانع وعلمه وقدرته ، وأما المعتزلة فيقولون : إلا بالحق ، أي لم يخلق ذلك عبثا بل لغرض صحيح .
ثم قال تعالى : ( إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد ) والمعنى : أن ؛ لأن القادر على الأصعب الأعظم بأن يكون قادرا على الأسهل الأضعف أولى . قال من كان قادرا على خلق السماوات والأرض بالحق ، فبأن يقدر على إفناء قوم وإماتتهم وعلى إيجاد آخرين وإحيائهم كان أولى : هذا الخطاب مع كفار ابن عباس مكة ، يريد أميتكم يا معشر الكفار ، وأخلق قوما خيرا منكم وأطوع منكم .
ثم قال : ( وما ذلك على الله بعزيز ) أي ممتنع لما ذكرنا أن القادر على إفناء كل العالم وإيجاده بأن يكون قادرا على إفناء أشخاص مخصوصين وإيجاد أمثالهم أولى وأحرى . والله أعلم .