وأما قوله : ( إلا عبادك منهم المخلصين ) ففيه مسائل :
المسألة الأولى : اعلم أن ، ولا يقبلون منه ، وذكرت في مجلس التذكير أن الذي حمل إبليس على ذكر هذا الاستثناء أن لا يصير كاذبا في دعواه ، فلما احترز إبليس عن الكذب علمنا أن الكذب في غاية الخساسة . إبليس استثنى المخلصين ، لأنه علم أن كيده لا يعمل فيهم
المسألة الثانية : قرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو : " المخلصين " بكسر اللام في كل القرآن ، والباقون بفتح اللام . وجه القراءة الأولى أنهم الذين أخلصوا دينهم وعبادتهم عن كل شائب يناقض الإيمان والتوحيد ، [ ص: 150 ] ومن فتح اللام فمعناه : الذين أخلصهم الله بالهداية والإيمان والتوفيق والعصمة ، وهذه القراءة تدل على أن الإخلاص والإيمان ليس إلا من الله تعالى .
المسألة الثالثة : جعل الشيء خالصا عن شائبة الغير فنقول : كل من أتى بعمل فإما أن يكون قد أتى به لله فقط أو لغير الله فقط ، أو لمجموع الأمرين ، وعلى هذا التقدير الثالث فإما أن يكون طلب رضوان الله راجحا أو مرجوحا أو معادلا ، والتقدير الرابع أن يأتي به لا لغرض أصلا وهذا محال ; لأن الفعل بدون الداعية محال . الإخلاص
أما الأول : فهو الإخلاص في حق الله تعالى ; لأن الحامل له على ذلك الفعل طلب رضوان الله ، وما جعل هذه الداعية مشوبة بداعية أخرى بل بقيت خالصة عن شوائب الغير ، فهذا هو الإخلاص .
وأما الثاني : وهو الإخلاص في حق غير الله ، فظاهر أن هذا لا يكون إخلاصا في حق الله تعالى .
وأما الثالث : وهو أن يشتمل على الجهتين إلا أن جانب الله يكون راجحا ، فهذا يرجى أن يكون من المخلصين ; لأن المثل يقابله المثل . فيبقى القدر الزائد خالصا عن الشوب .
وأما الرابع والخامس : فظاهر أنه ليس من المخلصين في حق الله تعالى ، والحاصل أن القسم الأول : إخلاص في حق الله تعالى قطعا .
والقسم الثاني : يرجى من فضل الله أن يجعله من قسم الإخلاص وأما سائر الأقسام فهو خارج عن الإخلاص قطعا والله أعلم .