ثم ذكر تعالى أن مع هذا الوعيد الشديد أقام الحجة وأزاح العلة فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=64وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : المعنى : أنا ما أنزلنا عليك القرآن إلا لتبين لهم بواسطة بيانات هذا القرآن الأشياء التي اختلفوا فيها ، والمختلفون هم أهل الملل والأهواء ، وما اختلفوا فيه ، هو الدين ، مثل التوحيد والشرك والجبر والقدر ، وإثبات المعاد ونفيه ، ومثل الأحكام ، مثل أنهم حرموا أشياء تحل كالبحيرة والسائبة وغيرهما ، وحللوا أشياء تحرم كالميتة .
المسألة الثانية : اللام في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=64لتبين ) تدل على أن
nindex.php?page=treesubj&link=28787أفعال الله تعالى معللة بالأغراض ، ونظيره آيات كثيرة منها قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=1كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس ) [ إبراهيم : 1 ] وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=56وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) [ الذاريات : 56 ] .
وجوابه : أنه لما ثبت بالعقل امتناع التعليل وجب صرفه إلى التأويل .
المسألة الثالثة : قال صاحب " الكشاف " : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=64وهدى ورحمة ) معطوفان على محل قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=64لتبين ) إلا أنهما انتصبا على أنه مفعول لهما ، لأنهما فعلا الذي أنزل الكتاب ، ودخلت اللام في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=64لتبين ) لأنه فعل المخاطب لا فعل المنزل ، وإنما ينتصب مفعولا له ما كان فعلا لذلك الفاعل .
المسألة الرابعة : قال
الكلبي :
nindex.php?page=treesubj&link=32233_29568وصف القرآن بكونه هدى ورحمة لقوم يؤمنون ، لا ينفي كونه كذلك في حق الكل ، كما أن قوله تعالى في أول سورة البقرة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=2هدى للمتقين ) [ البقرة : 2 ] لا ينفي كونه هدى لكل الناس ، كما ذكره في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=185هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان ) [ البقرة : 185 ] وإنما خص المؤمنين بالذكر من حيث أنهم قبلوه فانتفعوا به ، كما في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=45إنما أنت منذر من يخشاها ) [ النازعات : 45 ] لأنه إنما انتفع بإنذاره هذا القوم فقط ، والله أعلم .
ثُمَّ ذَكَرَ تَعَالَى أَنَّ مَعَ هَذَا الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ أَقَامَ الْحُجَّةَ وَأَزَاحَ الْعِلَّةَ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=64وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً ) وَفِيهِ مَسَائِلُ :
المسألة الْأُولَى : الْمَعْنَى : أَنَّا مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمْ بِوَاسِطَةِ بَيَانَاتِ هَذَا الْقُرْآنِ الْأَشْيَاءَ الَّتِي اخْتَلَفُوا فِيهَا ، وَالْمُخْتَلِفُونَ هُمْ أَهْلُ الْمِلَلِ وَالْأَهْوَاءِ ، وَمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ، هُوَ الدِّينُ ، مِثْلَ التَّوْحِيدِ وَالشِّرْكِ وَالْجَبْرِ وَالْقَدَرِ ، وَإِثْبَاتِ الْمَعَادِ وَنَفْيِهِ ، وَمِثْلَ الْأَحْكَامِ ، مِثْلَ أَنَّهُمْ حَرَّمُوا أَشْيَاءَ تَحِلُّ كَالْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ وَغَيْرِهِمَا ، وَحَلَّلُوا أَشْيَاءَ تَحْرُمُ كَالْمَيْتَةِ .
المسألة الثَّانِيَةُ : اللَّامُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=64لِتُبَيِّنَ ) تَدُلُّ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28787أَفْعَالَ اللَّهِ تَعَالَى مُعَلَّلَةٌ بِالْأَغْرَاضِ ، وَنَظِيرُهُ آيَاتٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=1كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ ) [ إِبْرَاهِيمَ : 1 ] وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=56وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) [ الذَّارِيَاتِ : 56 ] .
وَجَوَابُهُ : أَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ بِالْعَقْلِ امْتِنَاعُ التَّعْلِيلِ وَجَبَ صَرْفُهُ إِلَى التَّأْوِيلِ .
المسألة الثَّالِثَةُ : قَالَ صَاحِبُ " الْكَشَّافِ " : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=64وَهُدًى وَرَحْمَةً ) مَعْطُوفَانِ عَلَى مَحَلِّ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=64لِتُبَيِّنَ ) إِلَّا أَنَّهُمَا انْتَصَبَا عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ لَهُمَا ، لِأَنَّهُمَا فِعْلَا الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ ، وَدَخَلَتِ اللَّامُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=64لِتُبَيِّنَ ) لِأَنَّهُ فِعْلُ الْمُخَاطَبِ لَا فِعْلُ الْمُنْزِلِ ، وَإِنَّمَا يَنْتَصِبُ مَفْعُولًا لَهُ مَا كَانَ فِعْلًا لِذَلِكَ الْفَاعِلِ .
المسألة الرَّابِعَةُ : قَالَ
الْكَلْبِيُّ :
nindex.php?page=treesubj&link=32233_29568وَصْفُ الْقُرْآنِ بِكَوْنِهِ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ، لَا يَنْفِي كَوْنَهُ كَذَلِكَ فِي حَقِّ الْكُلِّ ، كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=2هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ) [ الْبَقَرَةِ : 2 ] لَا يَنْفِي كَوْنَهُ هُدًى لِكُلِّ النَّاسِ ، كَمَا ذَكَرَهُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=185هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ) [ الْبَقَرَةِ : 185 ] وَإِنَّمَا خَصَّ الْمُؤْمِنِينَ بِالذِّكْرِ مِنْ حَيْثُ أَنَّهُمْ قَبِلُوهُ فَانْتَفَعُوا بِهِ ، كَمَا فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=45إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا ) [ النَّازِعَاتِ : 45 ] لِأَنَّهُ إِنَّمَا انْتَفَعَ بِإِنْذَارِهِ هَذَا الْقَوْمُ فَقَطْ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .