( ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئا كبيرا )
قوله تعالى : ( ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئا كبيرا ) .
هذا هو النوع الخامس من الطاعات المذكورة في هذه الآيات وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : في تقرير النظم وجوه :
الوجه الأول : أنه تعالى لما بين في الآية الأولى أنه هو المتكفل بأرزاق العباد حيث قال : ( إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ) أتبعه بقوله : ( ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم ) .
الوجه الثاني : أنه تعالى لما علم كيفية البر بالوالدين في الآية المتقدمة علم في هذه الآية ، ولهذا قال بعضهم : إن الذين يسمون بالأبرار إنما سموا بذلك لأنهم بروا الآباء والأبناء وإنما وجب بر الآباء مكافأة على ما صدر منهما من أنواع البر بالأولاد . وإنما وجب البر بالأولاد لأنهم في غاية الضعف ولا كافل لهم غير الوالدين . كيفية البر بالأولاد
الوجه الثالث : أن يوجب خراب العالم ، لأن الآباء إذا علموا ذلك قلت رغبتهم في تربية الأولاد ، فيلزم خراب العالم من الوجه الذي قررناه ، فثبت أن عمارة العالم إنما تحصل إذا حصلت المبرة بين الآباء والأولاد من الجانبين . امتناع الأولاد من البر بالآباء
الوجه الرابع : أن ، وإن كان لأجل الغيرة على البنات فهو سعي في تخريب العالم ، فالأول ضد التعظيم لأمر الله تعالى ، والثاني ضد الشفقة على خلق الله تعالى وكلاهما مذموم . والله أعلم . قتل الأولاد إن كان لخوف الفقر فهو سوء ظن بالله
الوجه الخامس : أن ، وهي من أعظم الموجبات للمحبة . فلو لم تحصل المحبة دل ذلك على غلظ شديد في الروح ، وقسوة في القلب ، وذلك من أعظم الأخلاق الذميمة ، فرغب الله في الإحسان إلى الأولاد إزالة لهذه الخصلة الذميمة . قرابة الأولاد قرابة الجزئية والبعضية
المسألة الثانية : ، وقدرة البنين عليه بسبب إقدامهم على النهب والغارة ، وأيضا كانوا يخافون أن فقرها ينفر كفؤها عن الرغبة فيها فيحتاجون إلى إنكاحها من غير الأكفاء ، وفي ذلك عار شديد فقال تعالى : ( العرب كانوا يقتلون البنات لعجز البنات عن الكسب ولا تقتلوا أولادكم ) وهذا لفظ عام للذكور والإناث ، والمعنى : أن الموجب للرحمة والشفقة هو كونه ولدا ، وهذا المعنى وصف مشترك بين الذكور وبين الإناث . وأما ما يخاف من الفقر من البنات فقد يخاف مثله في الذكور في حال الصغر ، وقد يخاف أيضا في العاجزين من البنين .
ثم قال تعالى : ( نحن نرزقهم وإياكم ) يعني : أن فكما أنه تعالى فتح أبواب الرزق على الرجال ، فكذلك يفتح أبواب الرزق على النساء . الأرزاق بيد الله تعالى
المسألة الثالثة : الجمهور قرءوا ( إن قتلهم كان خطئا كبيرا ) أي : إثما كبيرا يقال خطئ يخطأ خطئا مثل [ ص: 158 ] يأثم إثما ; قال تعالى : ( إنا كنا خاطئين ) [ يوسف : 97 ] أي : آثمين ، وقرأ ابن عامر ( خطأ ) بالفتح يقال : أخطأ يخطئ إخطاء وخطأ إذا أتى بما لا ينبغي من غير قصد ، ويكون الخطأ اسما للمصدر ، والمعنى على هذه القراءة أن قتلهم ليس بصواب . قال القفال رحمه الله : وقرأ ابن كثير : " خطاء " بكسر الخاء ممدودة ولعلهما لغتان مثل دفع ودفاع ولبس ولباس .