أما قوله : ( سبحانه إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون    ) ففيه مسائل : 
المسألة الأولى : أنه تعالى لما قال ( سبحانه    ) ثم قال عقيبه : ( إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون    ) كان كالحجة على تنزيهه عن الولد  ، وبيان ذلك أن الذي يجعل ولدا لله ، إما أن يكون قديما أزليا أو يكون محدثا فإن كان أزليا فهو محال ؛ لأنه لو كان واجبا لذاته لكان واجب الوجود أكثر من واحد ، هذا خلف ، وإن كان ممكنا لذاته كان مفتقرا في وجوده إلى الواجب لذاته غنيا لذاته فيكون الممكن محتاجا لذاته فيكون عبدا له ؛ لأنه لا معنى للعبودية إلا ذلك ، وأما إن كان الذي يجعل ولدا يكون محدثا فيكون وجوده بعد عدمه بخلق ذلك القديم وإيجاده وهو المراد من قوله : ( إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون    ) فيكون عبدا له لا ولدا له فثبت أنه يستحيل أن يكون لله ولد . 
المسألة الثانية : احتج الأصحاب بقوله : ( إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون    ) على قدم كلام الله تعالى  قالوا : لأن الآية تدل على أنه تعالى إذا أراد إحداث شيء قال له : كن فيكون فلو كان قوله كن محدثا لافتقر حدوثه إلى قول آخر ولزم التسلسل وهو محال ، فثبت أن قول الله قديم لا محدث ، واحتج المعتزلة  بالآية على حدوث كلام الله تعالى من وجوه : 
أحدها : أنه تعالى أدخل عليه كلمة إذا ، وهذه الكلمة دالة على الاستقبال ؛ فوجب أن لا يحصل القول إلا في الاستقبال . 
وثانيها : أن حرف الفاء للتعقيب ، والفاء في قوله : ( فإنما يقول له    ) يدل على تأخر ذلك القول عن ذلك القضاء ، والمتأخر عن غيره محدث . 
وثالثها : الفاء في قوله : ( فيكون    ) يدل على حصول ذلك الشيء عقيب ذلك القول من غير فصل فيكون قول الله متقدما على حدوث الحادث تقدما بلا فصل ، والمتقدم على المحدث تقدما بلا فصل يكون محدثا ، فقول الله محدث . واعلم أن استدلال الفريقين ضعيف ، أما استدلال الأصحاب فلأنه يقتضي أن يكون قوله : ( كن    ) قديما وذلك باطل بالاتفاق ، وأما استدلال المعتزلة  فلأنه يقتضي أن يكون قول الله تعالى هو المركب من الحروف   [ ص: 187 ] والأصوات وهو محدث وذلك لا نزاع فيه إنما المدعى قدم شيء آخر . 
المسألة الثالثة : من الناس من أجرى الآية على ظاهرها فزعم أنه تعالى إذا أحدث شيئا قال له كن وهذا ضعيف ؛ لأنه ، إما أن يقول له كن قبل حدوثه أو حال حدوثه . فإن كان الأول كان ذلك خطابا مع المعدوم وهو عبث وإن كان الثاني فهو حال حدوثه قد وجد بالقدرة والإرادة فأي تأثير لقوله ( كن ) فيه ، ومن الناس من زعم أن المراد من قوله : ( كن    ) هو التخليق والتكوين وذلك لأن القدرة على الشيء غير وتكوين الشيء غير فإن الله سبحانه قادر في الأزل وغير مكون في الأزل ، ولأنه الآن قادر على عوالم سوى هذا العالم وغير مكون لها ، والقادرية غير المكونية ، والتكوين ليس هو نفس المكون لأنا نقول : المكون إنما حدث لأن الله تعالى كونه فأوجده ، فلو كان التكوين نفس المكون لكان قولنا المكون إنما وجد بتكوين الله تعالى نازلا منزلة قولنا المكون إنما وجد بنفسه وذلك محال ، فثبت أن التكوين غير المكون فقوله : ( كن    ) إشارة إلى الصفة المسماة بالتكوين ، وقال آخرون قوله : ( كن    ) عبارة عن نفاذ قدرة الله تعالى ومشيئته في الممكنات    . فإن وقوعها بتلك القدرة والإرادة من غير امتناع واندفاع يجري مجرى العبد المطيع المسخر المنقاد لأوامر مولاه ، فعبر الله تعالى عن ذلك المعنى بهذه العبارة على سبيل الاستعارة . 
[قوله تعالى وإن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم ... 
				
						
						
