المسألة الثانية : اختلفوا في أن الملائكة هل هم قادرون على المعاصي والشرور أم لا ؟  فقال جمهور الفلاسفة وكثير من أهل الجبر : إنهم خيرات محض ولا قدرة لهم البتة على الشرور والفساد . وقال جمهور المعتزلة  وكثير من الفقهاء : إنهم قادرون على الأمرين واحتجوا على ذلك بوجوه : 
أحدها : أن قولهم : ( أتجعل فيها من يفسد فيها    ) إما أن يكون معصية أو ترك الأولى وعلى التقديرين فالمقصود حاصل . 
وثانيها : قوله تعالى : ( ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم    ) [الأنبياء : 29] ، وذلك يقتضي كونهم مزجورين ممنوعين وقال أيضا : ( لا يستكبرون عن عبادته    ) [الأعراف : 206] ، والمدح بترك الاستكبار إنما يجوز لو كان قادرا على فعل الاستكبار . 
وثالثها : أنهم لو لم يكونوا قادرين على ترك الخيرات لما كانوا ممدوحين بفعلها ، لأن الملجأ إلى الشيء ، ومن لا يقدر على ترك الشيء لا يكون ممدوحا بفعل ذلك الشيء ، ولقد استدل بهذا بعض المعتزلة  فقلت له : أليس أن الثواب والعوض واجبان على الله تعالى  ؟ ومعنى كونه واجبا عليه أنه لو تركه للزم من تركه إما الجهل وإما الحاجة ، وهما محالان ، والمفضي إلى المحال محال ، فيكون ذلك الترك محالا من الله تعالى ، وإذا كان الترك محالا كان الفعل واجبا ، فيكون الله تعالى فاعلا للثواب ، والعوض واجب وتركه محال مع أنه تعالى ممدوح على فعل ذلك ، فثبت أن امتناع الترك لا يقدح في   [ ص: 158 ] حصول المدح فانقطع ، وما قدر على الجواب . 
				
						
						
