السؤال الثالث : إذا أثبتم أنه يجوز أن يكون اختلافهما لأجل النص ، وأن يكون لأجل الاجتهاد فأي   [ ص: 172 ] القولين أولى ؟ والجواب : الاجتهاد أرجح لوجوه : 
أحدها : أنه روي في الأخبار الكثيرة أن داود  عليه السلام لم يكن قد بت الحكم في ذلك حتى سمع من سليمان  أن غير ذلك أولى ، وفي بعضها أن داود  عليه السلام ناشده لكي يورد ما عنده ، وكل ذلك لا يليق بالنص ؛ لأنه لو كان نصا لكان يظهره ولا يكتمه . 
السؤال الرابع : بينوا أنه كيف كان طريق الاجتهاد ؟ الجواب : أن وجه الاجتهاد فيه ما ذكره  ابن عباس    - رضي الله عنهما - من أن داود  عليه السلام قوم قدر الضرر بالكرم ، فكان مساويا لقيمة الغنم ، فكان عنده أن الواجب في ذلك الضرر أن يزال بمثله من النفع ، فلا جرم سلم الغنم إلى المجني عليه ، كما قال  أبو حنيفة  رحمه الله في العبد : إذا جنى على النفس  يدفعه المولى بذلك أو يفديه ، وأما سليمان  عليه السلام فإن اجتهاده أدى إلى أن يجب مقابلة الأصول بالأصول والزوائد بالزوائد ، فأما مقابلة الأصول بالزوائد فغير جائز ؛ لأنه يقتضي الحيف والجور ، ولعل منافع الغنم في تلك السنة كانت موازية لمنافع الكرم فحكم به ، كما قال  الشافعي  رضي الله عنه : فيمن غصب عبدا فأبق من يده  أنه يضمن القيمة لينتفع بها المغصوب منه بإزاء ما فوته الغاصب من منافع العبد ، فإذا ظهر ترادا . 
السؤال الخامس : على تقدير أن ثبت قطعا أن تلك المخالفة كانت مبنية على الاجتهاد ، فهل تدل هذه القصة على أن المصيب واحد أو الكل مصيبون ؟ 
الجواب : أما القائلون بأن المصيب واحد ففيهم من استدل بقوله تعالى : ( ففهمناها سليمان     ) قال : ولو كان الكل مصيبا لم يكن لتخصيص سليمان  عليه السلام بهذا التفهيم فائدة ، وأما القائلون بأن الكل مصيبون ففيهم من استدل بقوله : ( وكلا آتينا حكما وعلما    ) ولو كان المصيب واحدا ومخالفه مخطئا لما صح أن يقال : ( وكلا آتينا حكما وعلما    ) واعلم أن الاستدلالين ضعيفان . 
أما الأول : فلأن الله تعالى لم يقل : إنه فهمه الصواب ، فيحتمل أنه فهمه الناسخ ولم يفهم ذلك داود  عليه السلام ؛ لأنه لم يبلغه وكل واحد منهما مصيب فيما حكم به ، على أن أكثر ما في الآية أنها دالة على أن داود  وسليمان  عليهما السلام ما كانا مصيبين وذلك لا يوجب أن يكون الأمر كذلك في شرعنا . 
وأما الثاني : فلأنه تعالى لم يقل : إن كلا آتيناه حكما وعلما بما حكم به ، بل يجوز أن يكون آتيناه حكما وعلما بوجوه الاجتهاد وطرق الأحكام ، على أنه لا يلزم من كون كل مجتهد مصيبا في شرعهم أن يكون الأمر كذلك في شرعنا . 
				
						
						
