[ ص: 39 ] [ سورة الفرقان ]
سبع وسبعون آية مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=1تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=2الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديرا ) .
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=1تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=2الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديرا ) .
اعلم أن الله سبحانه وتعالى تكلم في هذه السورة في التوحيد والنبوة وأحوال القيامة ، ثم ختمها بذكر صفات العباد المخلصين الموقنين ، ولما كان إثبات الصانع وإثبات صفات جلاله يجب أن يكون مقدما على الكل لا جرم افتتح الله هذه السورة بذلك فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=1تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قال
الزجاج : تبارك : تفاعل من البركة ، والبركة كثرة الخير وزيادته ، وفيه معنيان :
أحدهما : تزايد خيره وتكاثر ، وهو المراد من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=34وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ) [إبراهيم : 34] .
والثاني : تزايد عن كل شيء وتعالى عنه في ذاته وصفاته وأفعاله ، وهو المراد من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11ليس كمثله شيء ) [الشورى : 11] وأما تعاليه عن كل شيء في ذاته ، فيحتمل أن يكون المعنى جل بوجوب وجوده وقدمه عن جواز الفناء والتغير عليه ، وأن يكون المعنى جل بفردانيته ووحدانيته عن مشابهة شيء من الممكنات ، وأما تعاليه عن كل شيء في صفاته فيحتمل أن يكون المعنى جل أن يكون علمه ضروريا أو كسبيا أو تصورا أو تصديقا ، وفي قدرته أن يحتاج إلى مادة ومدة ومثال وجلب غرض ومنال ، وأما في أفعاله فجل أن يكون الوجود والبقاء وصلاح حال الوجود إلا من قبله ، وقال آخرون : أصل الكلمة تدل على البقاء ، وهو مأخوذ من بروك البعير ، ومن بروك الطير على الماء ، وسميت البركة بركة لثبوت الماء فيها ، والمعنى أنه سبحانه وتعالى باق في ذاته أزلا وأبدا ممتنع التغير وباق في صفاته ممتنع التبدل ، ولما كان سبحانه وتعالى هو الخالق لوجوه المنافع والمصالح والمبقي لها وجب وصفه سبحانه بأنه تبارك وتعالى .
[ ص: 40 ] المسألة الثانية : قال أهل اللغة : كلمة "الذي" موضوعة للإشارة إلى الشيء عند محاولة تعريفه بقضية معلومة ، وعند هذا يتوجه الإشكال ، وهو أن القوم ما كانوا عالمين بأنه سبحانه هو الذي نزل الفرقان فكيف حسن ههنا لفظ "الذي" ؟ وجوابه : أنه لما قامت الدلالة على كون
nindex.php?page=treesubj&link=28899القرآن معجزا ظهر بحسب الدليل كونه من عند الله ، فلقوة الدليل وظهوره أجراه سبحانه وتعالى مجرى المعلوم .
المسألة الثالثة : لا نزاع أن
nindex.php?page=treesubj&link=28867الفرقان هو القرآن ، وصف بذلك من حيث إنه سبحانه فرق به بين الحق والباطل في نبوة
محمد صلى الله عليه وسلم ، وبين الحلال والحرام ، أو لأنه فرق في النزول كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=106وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ) [الإسراء : 106] وهذا التأويل أقرب لأنه قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=1نزل الفرقان ) ولفظة "نزل" تدل على التفريق ، وأما لفظة "أنزل" فتدل على الجمع ، ولذلك قال في سورة آل عمران : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=3نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل ) [آل عمران : 3] واعلم أنه سبحانه وتعالى لما قال أولا (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=1تبارك ) ومعناه كثرة الخير والبركة ، ثم ذكر عقبه أمر القرآن دل ذلك على أن القرآن منشأ الخيرات وأعم البركات ، لكن القرآن ليس إلا منبعا للعلوم والمعارف والحكم ، فدل هذا على أن
nindex.php?page=treesubj&link=18467العلم أشرف المخلوقات وأعظم الأشياء خيرا وبركة .
[ ص: 39 ] [ سُورَةُ الْفُرْقَانِ ]
سَبْعٌ وَسَبْعُونَ آيَةً مَكِّيَّةً
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=1تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=2الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ) .
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=1تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=2الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ) .
اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى تَكَلَّمَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ فِي التَّوْحِيدِ وَالنُّبُوَّةِ وَأَحْوَالِ الْقِيَامَةِ ، ثُمَّ خَتَمَهَا بِذِكْرِ صِفَاتِ الْعِبَادِ الْمُخْلِصِينَ الْمُوقِنِينَ ، وَلَمَّا كَانَ إِثْبَاتُ الصَّانِعِ وَإِثْبَاتُ صِفَاتِ جَلَالِهِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُقَدَّمًا عَلَى الْكُلِّ لَا جَرَمَ افْتَتَحَ اللَّهُ هَذِهِ السُّورَةَ بِذَلِكَ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=1تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ ) وَفِيهِ مَسَائِلُ :
المسألة الْأُولَى : قَالَ
الزَّجَّاجُ : تَبَارَكَ : تَفَاعَلَ مِنَ الْبَرَكَةِ ، وَالْبَرَكَةُ كَثْرَةُ الْخَيْرِ وَزِيَادَتُهُ ، وَفِيهِ مَعْنَيَانِ :
أَحَدُهُمَا : تَزَايَدَ خَيْرُهُ وَتَكَاثَرَ ، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=34وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ) [إِبْرَاهِيمَ : 34] .
وَالثَّانِي : تَزَايَدَ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ وَتَعَالَى عَنْهُ فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ ، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) [الشُّورَى : 11] وَأَمَّا تَعَالِيهِ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ فِي ذَاتِهِ ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى جَلَّ بِوُجُوبِ وَجُودِهِ وَقِدَمِهِ عَنْ جَوَازِ الْفَنَاءِ وَالتَّغَيُّرِ عَلَيْهِ ، وَأَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى جَلَّ بِفَرْدَانِيَّتِهِ وَوَحْدَانِيَّتِهِ عَنْ مُشَابَهَةِ شَيْءٍ مِنَ الْمُمْكِنَاتِ ، وَأَمَّا تَعَالِيهِ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ فِي صِفَاتِهِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى جَلَّ أَنْ يَكُونَ عِلْمُهُ ضَرُورِيًّا أَوْ كَسْبِيًّا أَوْ تَصَوُّرًا أَوْ تَصْدِيقًا ، وَفِي قُدْرَتِهِ أَنْ يَحْتَاجَ إِلَى مَادَّةٍ وَمُدَّةٍ وَمِثَالٍ وَجَلْبِ غَرَضٍ وَمَنَالٍ ، وَأَمَّا فِي أَفْعَالِهِ فَجَلَّ أَنْ يَكُونَ الْوُجُودُ وَالْبَقَاءُ وَصَلَاحُ حَالِ الْوُجُودِ إِلَّا مِنْ قِبَلِهِ ، وَقَالَ آخَرُونَ : أَصْلُ الْكَلِمَةِ تَدُلُّ عَلَى الْبَقَاءِ ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ بُرُوكِ الْبَعِيرِ ، وَمِنْ بُرُوكِ الطَّيْرِ عَلَى الْمَاءِ ، وَسُمِّيَتِ الْبِرْكَةُ بِرْكَةً لِثُبُوتِ الْمَاءِ فِيهَا ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بَاقٍ فِي ذَاتِهِ أَزَلًا وَأَبَدًا مُمْتَنِعُ التَّغَيُّرِ وَبَاقٍ فِي صِفَاتِهِ مُمْتَنِعُ التَّبَدُّلِ ، وَلَمَّا كَانَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هُوَ الْخَالِقُ لِوُجُوهِ الْمَنَافِعِ وَالْمَصَالِحِ وَالْمُبْقِي لَهَا وَجَبَ وَصْفُهُ سُبْحَانَهُ بِأَنَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى .
[ ص: 40 ] المسألة الثَّانِيَةُ : قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ : كَلِمَةُ "الَّذِي" مَوْضُوعَةٌ لِلْإِشَارَةِ إِلَى الشَّيْءِ عِنْدَ مُحَاوَلَةِ تَعْرِيفِهِ بِقَضِيَّةٍ مَعْلُومَةٍ ، وَعِنْدَ هَذَا يَتَوَجَّهُ الْإِشْكَالُ ، وَهُوَ أَنَّ الْقَوْمَ مَا كَانُوا عَالِمِينَ بِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ هُوَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ فَكَيْفَ حَسُنَ هَهُنَا لَفْظُ "الَّذِي" ؟ وَجَوَابُهُ : أَنَّهُ لَمَّا قَامَتِ الدَّلَالَةُ عَلَى كَوْنِ
nindex.php?page=treesubj&link=28899الْقُرْآنِ مُعْجِزًا ظَهَرَ بِحَسَبِ الدَّلِيلِ كَوْنُهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ، فَلِقُوَّةِ الدَّلِيلِ وَظُهُورِهِ أَجْرَاهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَجْرَى الْمَعْلُومِ .
المسألة الثَّالِثَةُ : لَا نِزَاعَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28867الْفُرْقَانَ هُوَ الْقُرْآنُ ، وُصِفَ بِذَلِكَ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ فَرَّقَ بِهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ فِي نُبُوَّةِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَبَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ ، أَوْ لِأَنَّهُ فَرَّقَ فِي النُّزُولِ كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=106وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ ) [الْإِسْرَاءِ : 106] وَهَذَا التَّأْوِيلُ أَقْرَبُ لِأَنَّهُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=1نَزَّلَ الْفُرْقَانَ ) وَلَفْظَةُ "نَزَّلَ" تَدُلُّ عَلَى التَّفْرِيقِ ، وَأَمَّا لَفْظَةُ "أَنْزَلَ" فَتَدُلُّ عَلَى الْجَمْعِ ، وَلِذَلِكَ قَالَ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=3نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ ) [آلِ عِمْرَانَ : 3] وَاعْلَمْ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمَّا قَالَ أَوَّلًا (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=1تَبَارَكَ ) وَمَعْنَاهُ كَثْرَةُ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ ، ثُمَّ ذَكَرَ عَقِبَهُ أَمْرَ الْقُرْآنِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ مَنْشَأُ الْخَيْرَاتِ وَأَعَمُّ الْبَرَكَاتِ ، لَكِنَّ الْقُرْآنَ لَيْسَ إِلَّا مَنْبَعًا لِلْعُلُومِ وَالْمَعَارِفِ وَالْحِكَمِ ، فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=18467الْعِلْمَ أَشْرَفُ الْمَخْلُوقَاتِ وَأَعْظَمُ الْأَشْيَاءِ خَيْرًا وَبَرَكَةً .