الصفة الثانية للسعير : قوله تعالى : ( وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا ) واعلم أن الله سبحانه لما وصف حال الكفار حينما يكونون بالبعد من جهنم ، وصف حالهم عندما يلقون فيها ، نعوذ بالله منه بما لا شيء أبلغ منه ، وفيه مسائل :
المسألة الأولى : في ( ضيقا ) قراءتان ؛ التشديد ، والتخفيف وهو قراءة ابن كثير .
المسألة الثانية : نقل في تفسير الضيق أمور ، قال قتادة : ذكر لنا قال : " إن عبد الله بن عمر " . وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال : جهنم لتضيق على الكافر كضيق الزج على الرمح والذي نفسي بيده إنهم يستكرهون في النار كما يستكره الوتد في الحائط ، قال الكلبي : الأسفلون يرفعهم اللهيب ، والأعلون يخفضهم الداخلون [ ص: 50 ] فيزدحمون في تلك الأبواب الضيقة . قال صاحب "الكشاف" : الكرب مع الضيق ، كما أن الروح مع السعة ، ولذلك وصف الله الجنة بأن عرضها السماوات والأرض ، وجاء في الأحاديث " إن لكل مؤمن من القصور والجنان كذا وكذا " ولقد جمع الله على أهل النار أنواع البلاء ، حيث ضم إلى العذاب الشديد الضيق .
المسألة الثالثة : قالوا في تفسير قوله تعالى : ( مقرنين في الأصفاد ) [ إبراهيم : 49 ] : إن أهل النار مع ما هم فيه من العذاب الشديد والضيق الشديد يكونون مقرنين في السلاسل ، قرنت أيديهم إلى أعناقهم ، وقيل : يقرن مع كل كافر شيطانه في سلسلة ، وفي أرجلهم الأصفاد ، ثم إنه سبحانه حكى عن أهل النار أنهم حينما يشاهدون هذا النوع من العقاب الشديد دعوا ثبورا ، والثبور : الهلاك ، ودعاؤهم أن يقولوا : واثبوراه ، أي يقولوا : يا ثبور ، هذا حينك وزمانك . وروى أنس مرفوعا : إبليس ، فيضعها على جانبيه ويسحبها من خلفه ذريته وهو يقول : يا ثبوراه ، وينادون : يا ثبورهم حتى يردوا النار أول من يكسى حلة من النار .