القصة الرابعة
nindex.php?page=treesubj&link=31879_33955قصة لوط عليه السلام .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=40nindex.php?page=treesubj&link=31879_33955_28996ولقد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء أفلم يكونوا يرونها بل كانوا لا يرجون نشورا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=41وإذا رأوك إن يتخذونك إلا هزوا أهذا الذي بعث الله رسولا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=42إن كاد ليضلنا عن آلهتنا لولا أن صبرنا عليها وسوف يعلمون حين يرون العذاب من أضل سبيلا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=43أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=44أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا ) .
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=40ولقد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء أفلم يكونوا يرونها بل كانوا لا يرجون نشورا ) .
واعلم أنه تعالى أراد بالقرية
سدوم من قرى قوم
لوط عليه السلام ، وكانت خمسا ، أهلك الله تعالى أربعا بأهلها وبقيت واحدة . و (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=40مطر السوء ) الحجارة ، يعني أن
قريشا مروا مرارا كثيرة في متاجرهم إلى
الشأم [ ص: 74 ] على تلك القرية التي أهلكت بالحجارة من السماء ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=40أفلم يكونوا في مرورهم ينظرون إلى آثار عذاب الله تعالى ونكاله ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=40بل كانوا ) قوما كفرة (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=40لا يرجون نشورا ) . وذكروا في تفسير (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=40يرجون ) وجوها :
أحدها : وهو الذي قاله القاضي ، وهو الأقوى ، أنه محمول على حقيقة الرجاء ؛ لأن الإنسان لا يتحمل متاعب التكاليف ومشاق النظر والاستدلال إلا لرجاء ثواب الآخرة ، فإذا لم يؤمن بالآخرة لم يرج ثوابها ، فلا يتحمل تلك المشاق والمتاعب .
وثانيها : معناه : لا يتوقعون نشورا وعاقبة ، فوضع الرجاء موضع التوقع ؛ لأنه إنما يتوقع العاقبة من يؤمن .
وثالثها : معناه : لا يخافون على اللغة التهامية ، وهو ضعيف . والأول هو الحق .
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=41وإذا رأوك إن يتخذونك إلا هزوا أهذا الذي بعث الله رسولا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=42إن كاد ليضلنا عن آلهتنا لولا أن صبرنا عليها وسوف يعلمون حين يرون العذاب من أضل سبيلا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=43أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=44أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا ) .
اعلم أنه سبحانه لما بين مبالغة المشركين في إنكار نبوته ، وفي إيراد الشبهات في ذلك ، بين بعد ذلك أنهم إذا رأوا الرسول اتخذوه هزوا ، فلم يقتصروا على ترك الإيمان به ، بل زادوا عليه بالاستهزاء والاستحقار ، ويقول بعضهم لبعض : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=41أهذا الذي بعث الله رسولا ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قال صاحب "الكشاف" (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=41إن ) الأولى نافية ، والثانية مخففة من الثقيلة ، واللام هي الفارقة بينهما .
المسألة الثانية : جواب ( إذا ) هو ما أضمر من القول ، يعني : وإذا رأوك مستهزئين قالوا : أبعث الله هذا رسولا ، وقوله : ( إن يتخذونك ) جملة اعترضت بين ( إذا ) وجوابها .
المسألة الثالثة : اتخذوه هزوا في معنى استهزءوا به ، والأصل اتخذوه موضع هزء أو مهزوءا به .
المسألة الرابعة : اعلم أن الله تعالى أخبر عن المشركين أنهم متى رأوا الرسول أتوا بنوعين من الأفعال ، أحدهما أنهم يستهزئون به ، وفسر ذلك الاستهزاء بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=41أهذا الذي بعث الله رسولا ) ، وذلك جهل عظيم ؛ لأن الاستهزاء إما أن يقع بصورته أو بصفته .
أما الأول فباطل ؛ لأنه عليه الصلاة والسلام كان أحسن منهم صورة وخلقة ، وبتقدير أنه لم يكن كذلك ، لكنه عليه السلام ما كان يدعي التمييز عنهم بالصورة ، بل بالحجة .
وأما الثاني فباطل ؛ لأنه عليه السلام ادعى التميز عنهم في ظهور المعجز عليه دونهم ، وأنهم ما قدروا على القدح في حجته ودلالته ، ففي الحقيقة هم الذين يستحقون أن يهزأ بهم ، ثم إنهم لوقاحتهم قلبوا القضية
nindex.php?page=treesubj&link=19051واستهزءوا بالرسول عليه السلام ، وذلك يدل على أنه ليس للمبطل في كل الأوقات إلا السفاهة والوقاحة .
وثانيهما أنهم كانوا يقولون فيه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=42إن كاد ليضلنا عن آلهتنا لولا أن صبرنا عليها ) وذلك يدل على أمور :
الأول : أنهم سموا ذلك إضلالا ؛ وذلك يدل على أنهم كانوا مبالغين في تعظيم آلهتهم وفي استعظام صنيعه صلى الله عليه وسلم في صرفهم عنه ، وذلك يدل على أنهم كانوا يعتقدون أن هذا هو الحق ، فمن هذا الوجه يبطل قول أصحاب المعارف في أنه لا يكفر إلا من يعرف الدلائل ؛ لأنهم جهلوه ، ثم نسبهم الله تعالى إلى الكفر والضلال . وقولهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=42لولا أن صبرنا عليها ) يدل أيضا على ذلك .
الثاني : يدل هذا القول منهم على جد الرسول عليه السلام واجتهاده في صرفهم عن عبادة الأوثان ، ولولا ذلك لما قالوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=42إن كاد ليضلنا عن آلهتنا [ ص: 75 ] nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=42لولا أن صبرنا عليها ) وهكذا كان عليه السلام ، فإنه في أول الأمر بالغ في إيراد الدلائل والجواب عن الشبهات ، وتحمل ما كانوا يفعلونه من أنواع السفاهة وسوء الأدب .
الثالث : أن هذا يدل على اعتراف القوم بأنهم لم يعترضوا البتة على دلائل الرسول صلى الله عليه وسلم ، وما عارضوها إلا بمحض الجحود والتقليد ; لأن قولهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=42لولا أن صبرنا عليها ) إشارة إلى الجحود والتقليد ، ولو ذكروا اعتراضا على دلائل الرسول عليه السلام ، لكان ذكر ذلك أولى من ذكر مجرد الجحود والإصرار الذي هو دأب الجهال ، وذلك يدل على أن القوم كانوا مقهورين تحت حجته عليه السلام ، وأنه ما كان في أيديهم إلا مجرد الوقاحة .
الرابع : الآية تدل على أن القوم صاروا في ظهور حجته عليه السلام عليهم كالمجانين ؛ لأنهم استهزءوا به أولا ، ثم وصفوه بأنه كاد يضلنا عن آلهتنا لولا أن قابلناه بالجحود والإصرار ، فهذا الكلام الأخير يدل على أن القوم سلموا له قوة الحجة وكمال العقل ، والكلام الأول وهو السخرية والاستهزاء لا يليق إلا بالجاهل العاجز ، فالقوم لما جمعوا بين هذين الكلامين دل ذلك على أنهم كانوا كالمتحيرين في أمره ، فتارة بالوقاحة يستهزئون منه ، وتارة يصفونه بما لا يليق إلا بالعالم الكامل ، ثم إنه سبحانه لما حكى عنهم هذا الكلام زيف طريقتهم في ذلك من ثلاثة أوجه :
أولها : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=42وسوف يعلمون حين يرون العذاب من أضل سبيلا ) ؛ لأنهم لما وصفوه بالإضلال في قولهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=42إن كاد ليضلنا ) بين تعالى أنه سيظهر لهم من المضل ومن الضال عند مشاهدة العذاب الذي لا مخلص لهم منه ، فهو وعيد شديد لهم على التعامي والإعراض عن الاستدلال والنظر .
وثانيها : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=43nindex.php?page=treesubj&link=22311_28996أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا ) والمعنى أنه سبحانه بين أن بلوغ هؤلاء في جهالتهم وإعراضهم عن الدلائل إنما كان لاستيلاء التقليد عليهم ، وأنهم اتخذوا أهواءهم آلهة ، فكلما دعاهم الهوى إليه انقادوا له ، سواء منع الدليل منه أو لم يمنع ، ثم ههنا أبحاث :
الأول : قوله : ( أرأيت ) كلمة تصلح للإعلام والسؤال ، وههنا هي تعجيب من جهل من هذا وصفه ونعته .
الثاني : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=43اتخذ إلهه هواه ) معناه : اتخذ إلهه ما يهواه أو إلها يهواه ، وقيل : هو مقلوب ، ومعناه : اتخذ هواه إلهه ، وهذا ضعيف ; لأن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=43اتخذ إلهه هواه ) يفيد الحصر ، أي لم يتخذ لنفسه إلها إلا هواه ، وهذا المعنى لا يحصل عند القلب . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : الهوى إله يعبد ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير : كان الرجل من المشركين يعبد الصنم ، فإذا رأى أحسن منه رماه واتخذ الآخر وعبده .
الثالث : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=43أفأنت تكون عليه وكيلا ) أي : حافظا تحفظه من اتباع هواه ؛ أي : لست كذلك .
الرابع : نظير هذه الآية قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=88&ayano=22لست عليهم بمسيطر ) [الغاشية : 22] وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=45وما أنت عليهم بجبار ) [ق : 45] وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=256لا إكراه في الدين ) [البقرة : 256] قال
الكلبي : نسختها آية القتال .
وثالثها : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=44أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون ) أم ههنا منقطعة ، معناه بل تحسب ، وذلك يدل على أن هذه المذمة أشد من التي تقدمتها حتى حقت بالإضراب عنها إليها ، وهي كونهم مسلوبي الأسماع والعقول ; لأنهم لشدة عنادهم لا يصغون إلى الكلام ، وإذا سمعوه لا يتفكرون فيه ، فكأنه ليس لهم عقل ولا سمع البتة ، فعند ذلك شبههم بالأنعام في عدم انتفاعهم بالكلام ، وعدم إقدامهم على التدبر والتفكر ، وإقبالهم على اللذات الحاضرة الحسية وإعراضهم عن طلب السعادات الباقية العقلية . وههنا سؤالات :
[ ص: 76 ] السؤال الأول : لم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=44أم تحسب أن أكثرهم ) فحكم بذلك على الأكثر دون الكل ؟ والجواب : لأنه كان فيهم من يعرف الله تعالى ويعقل الحق ، إلا أنه ترك الإسلام لمجرد حب الرياسة لا للجهل .
السؤال الثاني : لم جعلوا أضل من الأنعام ؟ الجواب من وجوه :
أحدها : أن الأنعام تنقاد لأربابها وللذي يعلفها ويتعهدها ، وتميز بين من يحسن إليها وبين من يسيء إليها ، وتطلب ما ينفعها وتجتنب ما يضرها ، وهؤلاء لا ينقادون لربهم ولا يميزون بين إحسانه إليهم وبين إساءة الشيطان إليهم الذي هو عدو لهم ، ولا يطلبون الثواب الذي هو أعظم المنافع ، ولا يحترزون من العقاب الذي هو أعظم المضار .
وثانيها : أن قلوب الأنعام كما أنها تكون خالية عن العلم ، فهي خالية عن الجهل الذي هو اعتقاد المعتقد على خلاف ما هو عليه ، مع التصميم . وأما هؤلاء فقلوبهم كما خلت عن العلم فقد اتصفت بالجهل ، فإنهم لا يعلمون ، ولا يعلمون أنهم لا يعلمون ، بل هم مصرون على أنهم يعلمون .
وثالثها : أن عدم علم الأنعام لا يضر بأحد ، أما جهل هؤلاء فإنه منشأ للضرر العظيم ؛ لأنهم يصدون الناس عن سبيل الله ويبغونها عوجا .
ورابعها : أن الأنعام لا تعرف شيئا ، ولكنهم عاجزون عن الطلب ، وأما هؤلاء الجهال فإنهم ليسوا عاجزين عن الطلب ، والمحروم عن طلب المراتب العالية إذا عجز عنه لا يكون في استحقاق الذم كالقادر عليه التارك له لسوء اختياره .
وخامسها : أن البهائم لا تستحق عقابا على عدم العلم ، أما هؤلاء فإنهم يستحقون عليه أعظم العقاب .
وسادسها : أن البهائم تسبح الله تعالى على مذهب بعض الناس ، على ما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=44وإن من شيء إلا يسبح بحمده ) [ الإسراء : 44] ، وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=18ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ) إلى قوله : ( والدواب ) [الحج : 18] ، وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=41والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه ) [النور : 41] وإذا كان كذلك فضلال الكفار أشد وأعظم من ضلال هذه الأنعام .
السؤال الثالث : أنه سبحانه لما نفى عنهم السمع والعقل ، فكيف ذمهم على الإعراض عن الدين ، وكيف بعث الرسول إليهم ؛ فإن من شرط التكليف العقل ؟ الجواب : ليس المراد أنهم لا يعقلون ، بل إنهم لا ينتفعون بذلك العقل ، فهو كقول الرجل لغيره إذا لم يفهم : إنما أنت أعمى وأصم .
الْقِصَّةُ الرَّابِعَةُ
nindex.php?page=treesubj&link=31879_33955قِصَّةُ لُوطٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=40nindex.php?page=treesubj&link=31879_33955_28996وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=41وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=42إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=43أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=44أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ) .
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=40وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا ) .
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى أَرَادَ بِالْقَرْيَةِ
سَدُومَ مِنْ قُرَى قَوْمِ
لُوطٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَكَانَتْ خَمْسًا ، أَهْلَكَ اللَّهُ تَعَالَى أَرْبَعًا بِأَهْلِهَا وَبَقِيَتْ وَاحِدَةٌ . وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=40مَطَرَ السَّوْءِ ) الْحِجَارَةُ ، يَعْنِي أَنَّ
قُرَيْشًا مَرُّوا مِرَارًا كَثِيرَةً فِي مَتَاجِرِهِمْ إِلَى
الشَّأْمِ [ ص: 74 ] عَلَى تِلْكَ الْقَرْيَةِ الَّتِي أُهْلِكَتْ بِالْحِجَارَةِ مِنَ السَّمَاءِ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=40أَفَلَمْ يَكُونُوا فِي مُرُورِهِمْ يَنْظُرُونَ إِلَى آثَارِ عَذَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَنَكَالِهِ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=40بَلْ كَانُوا ) قَوْمًا كَفَرَةً (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=40لَا يَرْجُونَ نُشُورًا ) . وَذَكَرُوا فِي تَفْسِيرِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=40يَرْجُونَ ) وُجُوهًا :
أَحَدُهَا : وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي ، وَهُوَ الْأَقْوَى ، أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى حَقِيقَةِ الرَّجَاءِ ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَتَحَمَّلُ مَتَاعِبَ التَّكَالِيفِ وَمَشَاقَّ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ إِلَّا لِرَجَاءِ ثَوَابِ الْآخِرَةِ ، فَإِذَا لَمْ يُؤْمِنْ بِالْآخِرَةِ لَمْ يَرْجُ ثَوَابَهَا ، فَلَا يَتَحَمَّلُ تِلْكَ الْمَشَاقَّ وَالْمَتَاعِبَ .
وَثَانِيهَا : مَعْنَاهُ : لَا يَتَوَقَّعُونَ نُشُورًا وَعَاقِبَةً ، فَوَضَعَ الرَّجَاءَ مَوْضِعَ التَّوَقُّعِ ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَتَوَقَّعُ الْعَاقِبَةَ مَنْ يُؤْمِنُ .
وَثَالِثُهَا : مَعْنَاهُ : لَا يَخَافُونَ عَلَى اللُّغَةِ التِّهَامِيَّةِ ، وَهُوَ ضَعِيفٌ . وَالْأَوَّلُ هُوَ الْحَقُّ .
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=41وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=42إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=43أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=44أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ) .
اعْلَمْ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَمَّا بَيَّنَ مُبَالَغَةَ الْمُشْرِكِينَ فِي إِنْكَارِ نُبُوَّتِهِ ، وَفِي إِيرَادِ الشُّبُهَاتِ فِي ذَلِكَ ، بَيَّنَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُمْ إِذَا رَأَوُا الرَّسُولَ اتَّخَذُوهُ هُزُوًا ، فَلَمْ يَقْتَصِرُوا عَلَى تَرْكِ الْإِيمَانِ بِهِ ، بَلْ زَادُوا عَلَيْهِ بِالِاسْتِهْزَاءِ وَالِاسْتِحْقَارِ ، وَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=41أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا ) وَفِيهِ مَسَائِلُ :
المسألة الْأُولَى : قَالَ صَاحِبُ "الْكَشَّافِ" (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=41إِنْ ) الْأُولَى نَافِيَةٌ ، وَالثَّانِيَةُ مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ ، وَاللَّامُ هِيَ الْفَارِقَةُ بَيْنَهُمَا .
المسألة الثَّانِيَةُ : جَوَابُ ( إِذَا ) هُوَ مَا أُضْمِرَ مِنَ الْقَوْلِ ، يَعْنِي : وَإِذَا رَأَوْكَ مُسْتَهْزِئِينَ قَالُوا : أَبَعَثَ اللَّهُ هَذَا رَسُولًا ، وَقَوْلُهُ : ( إِنْ يَتَّخِذُونَكَ ) جُمْلَةٌ اعْتَرَضَتْ بَيْنَ ( إِذَا ) وَجَوَابِهَا .
المسألة الثَّالِثَةُ : اتَّخَذُوهُ هُزُوًا فِي مَعْنَى اسْتَهْزَءُوا بِهِ ، وَالْأَصْلُ اتَّخَذُوهُ مَوْضِعَ هُزْءٍ أَوْ مَهْزُوءًا بِهِ .
المسألة الرَّابِعَةُ : اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ عَنِ الْمُشْرِكِينَ أَنَّهُمْ مَتَى رَأَوُا الرَّسُولَ أَتَوْا بِنَوْعَيْنِ مِنَ الْأَفْعَالِ ، أَحَدُهُمَا أَنَّهُمْ يَسْتَهْزِئُونَ بِهِ ، وَفَسَّرَ ذَلِكَ الِاسْتِهْزَاءَ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=41أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا ) ، وَذَلِكَ جَهْلٌ عَظِيمٌ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِهْزَاءَ إِمَّا أَنْ يَقَعَ بِصُورَتِهِ أَوْ بِصِفَتِهِ .
أَمَّا الْأَوَّلُ فَبَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ أَحْسَنَ مِنْهُمْ صُورَةً وَخِلْقَةً ، وَبِتَقْدِيرِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ ، لَكِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَا كَانَ يَدَّعِي التَّمْيِيزَ عَنْهُمْ بِالصُّورَةِ ، بَلْ بِالحجة .
وَأَمَّا الثَّانِي فَبَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ادَّعَى التَّمَيُّزَ عَنْهُمْ فِي ظُهُورِ الْمُعْجِزِ عَلَيْهِ دُونَهُمْ ، وَأَنَّهُمْ مَا قَدَرُوا عَلَى الْقَدْحِ فِي حُجَّتِهِ وَدَلَالَتِهِ ، فَفِي الْحَقِيقَةِ هُمُ الَّذِينَ يَسْتَحِقُّونَ أَنْ يُهْزَأَ بِهِمْ ، ثُمَّ إِنَّهُمْ لِوَقَاحَتِهِمْ قَلَبُوا الْقَضِيَّةَ
nindex.php?page=treesubj&link=19051وَاسْتَهْزَءُوا بِالرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُبْطِلِ فِي كُلِّ الْأَوْقَاتِ إِلَّا السَّفَاهَةُ وَالْوَقَاحَةُ .
وَثَانِيهِمَا أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ فِيهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=42إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا ) وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أُمُورٍ :
الْأَوَّلُ : أَنَّهُمْ سَمَّوْا ذَلِكَ إِضْلَالًا ؛ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا مُبَالِغِينَ فِي تَعْظِيمِ آلِهَتِهِمْ وَفِي اسْتِعْظَامِ صَنِيعِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَرْفِهِمْ عَنْهُ ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ هَذَا هُوَ الْحَقُّ ، فَمِنْ هَذَا الوجه يَبْطُلُ قَوْلُ أَصْحَابِ الْمَعَارِفِ فِي أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ إِلَّا مَنْ يَعْرِفُ الدَّلَائِلَ ؛ لِأَنَّهُمْ جَهِلُوهُ ، ثُمَّ نَسَبَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى الْكُفْرِ وَالضَّلَالِ . وَقَوْلُهُمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=42لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا ) يَدُلُّ أَيْضًا عَلَى ذَلِكَ .
الثَّانِي : يَدُلُّ هَذَا الْقَوْلُ مِنْهُمْ عَلَى جِدِّ الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَاجْتِهَادِهِ فِي صَرْفِهِمْ عَنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا قَالُوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=42إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا [ ص: 75 ] nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=42لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا ) وَهَكَذَا كَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فَإِنَّهُ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ بَالَغَ فِي إِيرَادِ الدَّلَائِلِ وَالْجَوَابِ عَنِ الشُّبُهَاتِ ، وَتَحَمَّلَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ مِنْ أَنْوَاعِ السَّفَاهَةِ وَسُوءِ الْأَدَبِ .
الثَّالِثُ : أَنَّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى اعْتِرَافِ الْقَوْمِ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْتَرِضُوا الْبَتَّةَ عَلَى دَلَائِلِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَمَا عَارَضُوهَا إِلَّا بِمَحْضِ الْجُحُودِ وَالتَّقْلِيدِ ; لِأَنَّ قَوْلَهُمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=42لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا ) إِشَارَةٌ إِلَى الْجُحُودِ وَالتَّقْلِيدِ ، وَلَوْ ذَكَرُوا اعْتِرَاضًا عَلَى دَلَائِلِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، لَكَانَ ذِكْرُ ذَلِكَ أَوْلَى مِنْ ذِكْرِ مُجَرَّدِ الْجُحُودِ وَالْإِصْرَارِ الَّذِي هُوَ دَأْبُ الْجُهَّالِ ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَوْمَ كَانُوا مَقْهُورِينَ تَحْتَ حُجَّتِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَأَنَّهُ مَا كَانَ فِي أَيْدِيهِمْ إِلَّا مُجَرَّدُ الْوَقَاحَةِ .
الرَّابِعُ : الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَوْمَ صَارُوا فِي ظُهُورِ حُجَّتِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَيْهِمْ كَالْمَجَانِينَ ؛ لِأَنَّهُمُ اسْتَهْزَءُوا بِهِ أَوَّلًا ، ثُمَّ وَصَفُوهُ بِأَنَّهُ كَادَ يُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ قَابَلْنَاهُ بِالْجُحُودِ وَالْإِصْرَارِ ، فَهَذَا الْكَلَامُ الْأَخِيرُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَوْمَ سَلَّمُوا لَهُ قُوَّةَ الحجة وَكَمَالَ الْعَقْلِ ، وَالْكَلَامُ الْأَوَّلُ وَهُوَ السُّخْرِيَةُ وَالِاسْتِهْزَاءُ لَا يَلِيقُ إِلَّا بِالْجَاهِلِ الْعَاجِزِ ، فَالْقَوْمُ لَمَّا جَمَعُوا بَيْنَ هَذَيْنِ الْكَلَامَيْنِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا كَالْمُتَحَيِّرِينَ فِي أَمْرِهِ ، فَتَارَةً بِالْوَقَاحَةِ يَسْتَهْزِئُونَ مِنْهُ ، وَتَارَةً يَصِفُونَهُ بِمَا لَا يَلِيقُ إِلَّا بِالْعَالِمِ الْكَامِلِ ، ثُمَّ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ لَمَّا حَكَى عَنْهُمْ هَذَا الْكَلَامَ زَيَّفَ طَرِيقَتَهُمْ فِي ذَلِكَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ :
أَوَّلُهَا : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=42وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا ) ؛ لِأَنَّهُمْ لَمَّا وَصَفُوهُ بِالْإِضْلَالِ فِي قَوْلِهِمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=42إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا ) بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّهُ سَيَظْهَرُ لَهُمْ مَنِ الْمُضِلُّ وَمَنِ الضَّالُّ عِنْدَ مُشَاهَدَةِ الْعَذَابِ الَّذِي لَا مَخْلَصَ لَهُمْ مِنْهُ ، فَهُوَ وَعِيدٌ شَدِيدٌ لَهُمْ عَلَى التَّعَامِي وَالْإِعْرَاضِ عَنِ الِاسْتِدْلَالِ وَالنَّظَرِ .
وَثَانِيهَا : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=43nindex.php?page=treesubj&link=22311_28996أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا ) وَالْمَعْنَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ بَيَّنَ أَنَّ بُلُوغَ هَؤُلَاءِ فِي جَهَالَتِهِمْ وَإِعْرَاضِهِمْ عَنِ الدَّلَائِلِ إِنَّمَا كَانَ لِاسْتِيلَاءِ التَّقْلِيدِ عَلَيْهِمْ ، وَأَنَّهُمُ اتَّخَذُوا أَهْوَاءَهُمْ آلِهَةً ، فَكُلَّمَا دَعَاهُمُ الْهَوَى إِلَيْهِ انْقَادُوا لَهُ ، سَوَاءً مَنَعَ الدَّلِيلُ مِنْهُ أَوْ لَمْ يَمْنَعْ ، ثُمَّ هَهُنَا أَبْحَاثٌ :
الْأَوَّلُ : قَوْلُهُ : ( أَرَأَيْتَ ) كَلِمَةٌ تَصْلُحُ لِلْإِعْلَامِ وَالسُّؤَالِ ، وَهَهُنَا هِيَ تَعْجِيبٌ مَنْ جَهْلِ مَنْ هَذَا وَصْفُهُ وَنَعْتُهُ .
الثَّانِي : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=43اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ) مَعْنَاهُ : اتَّخَذَ إِلَهَهُ مَا يَهْوَاهُ أَوْ إِلَهًا يَهْوَاهُ ، وَقِيلَ : هُوَ مَقْلُوبٌ ، وَمَعْنَاهُ : اتَّخَذَ هَوَاهُ إِلَهَهُ ، وَهَذَا ضَعِيفٌ ; لِأَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=43اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ) يُفِيدُ الْحَصْرَ ، أَيْ لَمْ يَتَّخِذْ لِنَفْسِهِ إِلَهًا إِلَّا هَوَاهُ ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَحْصُلُ عِنْدَ الْقَلْبِ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : الْهَوَى إِلَهٌ يُعْبَدُ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15992سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ : كَانَ الرَّجُلُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَعْبُدُ الصَّنَمَ ، فَإِذَا رَأَى أَحْسَنَ مِنْهُ رَمَاهُ وَاتَّخَذَ الْآخَرَ وَعَبَدَهُ .
الثَّالِثُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=43أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا ) أَيْ : حَافِظًا تَحْفَظُهُ مِنَ اتِّبَاعِ هَوَاهُ ؛ أَيْ : لَسْتَ كَذَلِكَ .
الرَّابِعُ : نَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=88&ayano=22لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ ) [الْغَاشِيَةِ : 22] وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=45وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ ) [ق : 45] وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=256لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ) [الْبَقَرَةِ : 256] قَالَ
الْكَلْبِيُّ : نَسَخَتْهَا آيَةُ الْقِتَالِ .
وَثَالِثُهَا : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=44أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ) أَمْ هَهُنَا مُنْقَطِعَةٌ ، مَعْنَاهُ بَلْ تَحْسَبُ ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْمَذَمَّةَ أَشَدُّ مِنَ الَّتِي تَقَدَّمَتْهَا حَتَّى حَقَّتْ بِالْإِضْرَابِ عَنْهَا إِلَيْهَا ، وَهِيَ كَوْنُهُمْ مَسْلُوبِي الْأَسْمَاعِ وَالْعُقُولِ ; لِأَنَّهُمْ لِشِدَّةِ عِنَادِهِمْ لَا يُصْغُونَ إِلَى الْكَلَامِ ، وَإِذَا سَمِعُوهُ لَا يَتَفَكَّرُونَ فِيهِ ، فَكَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ عَقْلٌ وَلَا سَمْعٌ الْبَتَّةَ ، فَعِنْدَ ذَلِكَ شَبَّهَهُمْ بِالْأَنْعَامِ فِي عَدَمِ انْتِفَاعِهِمْ بِالْكَلَامِ ، وَعَدَمِ إِقْدَامِهِمْ عَلَى التَّدَبُّرِ وَالتَّفَكُّرِ ، وَإِقْبَالِهِمْ عَلَى اللَّذَّاتِ الْحَاضِرَةِ الْحِسِّيَّةِ وَإِعْرَاضِهِمْ عَنْ طَلَبِ السَّعَادَاتِ الْبَاقِيَةِ الْعَقْلِيَّةِ . وَهَهُنَا سُؤَالَاتٌ :
[ ص: 76 ] السُّؤَالُ الْأَوَّلُ : لِمَ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=44أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ ) فَحَكَمَ بِذَلِكَ عَلَى الْأَكْثَرِ دُونَ الْكُلِّ ؟ وَالْجَوَابُ : لِأَنَّهُ كَانَ فِيهِمْ مَنْ يَعْرِفُ اللَّهَ تَعَالَى وَيَعْقِلُ الْحَقَّ ، إِلَّا أَنَّهُ تَرَكَ الْإِسْلَامَ لِمُجَرَّدِ حُبِّ الرِّيَاسَةِ لَا لِلْجَهْلِ .
السُّؤَالُ الثَّانِي : لِمَ جُعِلُوا أَضَلَّ مِنَ الْأَنْعَامِ ؟ الْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّ الْأَنْعَامَ تَنْقَادُ لِأَرْبَابِهَا وَلِلَّذِي يَعْلِفُهَا وَيَتَعَهَّدُهَا ، وَتُمَيِّزُ بَيْنَ مَنْ يُحْسِنُ إِلَيْهَا وَبَيْنَ مَنْ يُسِيءُ إِلَيْهَا ، وَتَطْلُبُ مَا يَنْفَعُهَا وَتَجْتَنِبُ مَا يَضُرُّهَا ، وَهَؤُلَاءِ لَا يَنْقَادُونَ لِرَبِّهِمْ وَلَا يُمَيِّزُونَ بَيْنَ إِحْسَانِهِ إِلَيْهِمْ وَبَيْنَ إِسَاءَةِ الشَّيْطَانِ إِلَيْهِمُ الَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمْ ، وَلَا يَطْلُبُونَ الثَّوَابَ الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ الْمَنَافِعِ ، وَلَا يَحْتَرِزُونَ مِنَ الْعِقَابِ الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ الْمَضَارِّ .
وَثَانِيهَا : أَنَّ قُلُوبَ الْأَنْعَامِ كَمَا أَنَّهَا تَكُونُ خَالِيَةً عَنِ الْعِلْمِ ، فَهِيَ خَالِيَةٌ عَنِ الْجَهْلِ الَّذِي هُوَ اعْتِقَادُ الْمُعْتَقِدِ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ عَلَيْهِ ، مَعَ التَّصْمِيمِ . وَأَمَّا هَؤُلَاءِ فَقُلُوبُهُمْ كَمَا خَلَتْ عَنِ الْعِلْمِ فَقَدِ اتَّصَفَتْ بِالْجَهْلِ ، فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ، وَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ، بَلْ هُمْ مُصِرُّونَ عَلَى أَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ .
وَثَالِثُهَا : أَنَّ عَدَمَ عِلْمِ الْأَنْعَامِ لَا يَضُرُّ بِأَحَدٍ ، أَمَّا جَهْلُ هَؤُلَاءِ فَإِنَّهُ مَنْشَأٌ لِلضَّرَرِ الْعَظِيمِ ؛ لِأَنَّهُمْ يَصُدُّونَ النَّاسَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا .
وَرَابِعُهَا : أَنَّ الْأَنْعَامَ لَا تَعْرِفُ شَيْئًا ، وَلَكِنَّهُمْ عَاجِزُونَ عَنِ الطَّلَبِ ، وَأَمَّا هَؤُلَاءِ الْجُهَّالُ فَإِنَّهُمْ لَيْسُوا عَاجِزِينَ عَنِ الطَّلَبِ ، وَالْمَحْرُومُ عَنْ طَلَبِ الْمَرَاتِبِ الْعَالِيَةِ إِذَا عَجَزَ عَنْهُ لَا يَكُونُ فِي اسْتِحْقَاقِ الذَّمِّ كَالْقَادِرِ عَلَيْهِ التَّارِكِ لَهُ لِسُوءِ اخْتِيَارِهِ .
وَخَامِسُهَا : أَنَّ الْبَهَائِمَ لَا تَسْتَحِقُّ عِقَابًا عَلَى عَدَمِ الْعِلْمِ ، أَمَّا هَؤُلَاءِ فَإِنَّهُمْ يَسْتَحِقُّونَ عَلَيْهِ أَعْظَمَ الْعِقَابِ .
وَسَادِسُهَا : أَنَّ الْبَهَائِمَ تُسَبِّحُ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى مَذْهَبِ بَعْضِ النَّاسِ ، عَلَى مَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=44وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ) [ الْإِسْرَاءِ : 44] ، وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=18أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ ) إِلَى قَوْلِهِ : ( وَالدَّوَابُّ ) [الْحَجِّ : 18] ، وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=41وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ ) [النُّورِ : 41] وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَضَلَالُ الْكُفَّارِ أَشَدُّ وَأَعْظَمُ مِنْ ضَلَالِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ .
السُّؤَالُ الثَّالِثُ : أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَمَّا نَفَى عَنْهُمُ السَّمْعَ وَالْعَقْلَ ، فَكَيْفَ ذَمَّهُمْ عَلَى الْإِعْرَاضِ عَنِ الدِّينِ ، وَكَيْفَ بَعَثَ الرَّسُولَ إِلَيْهِمْ ؛ فَإِنَّ مِنْ شَرْطِ التَّكْلِيفِ الْعَقْلَ ؟ الْجَوَابُ : لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ، بَلْ إِنَّهُمْ لَا يَنْتَفِعُونَ بِذَلِكَ الْعَقْلِ ، فَهُوَ كَقَوْلِ الرَّجُلِ لِغَيْرِهِ إِذَا لَمْ يَفْهَمْ : إِنَّمَا أَنْتَ أَعْمَى وَأَصَمُّ .