[ ص: 100 ] الصفة التاسعة .
( والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما ) .
قوله تعالى : ( واجعلنا للمتقين إماما والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قرأ نافع وابن كثير وابن عامر وحفص عن عاصم ( وذرياتنا ) بألف الجمع ، وحذفها الباقون على التوحيد ، والذرية تكون واحدا وجمعا .
المسألة الثانية : أنه لا شبهة أن المراد أن يكون قرة أعين لهم في الدين لا في الأمور الدنيوية من المال والجمال . ثم ذكروا فيه وجهان :
أحدهما : أنهم سألوا أزواجا وذرية في الدنيا يشاركونهم ، فأحبوا أن يكونوا معهم في التمسك بطاعة الله ، فيقوى طمعهم في أن يحصلوا معهم في الجنة ، فيتكامل سرورهم في الدنيا بهذا الطمع ، وفي الآخرة عند حصول الثواب .
والثاني : أنهم سألوا أن يلحق الله أزواجهم وذريتهم بهم في الجنة ليتم سرورهم بهم .
المسألة الثالثة : فإن قيل : " من " في قوله : ( من أزواجنا ) ما هي ؟ قلنا : يحتمل أن تكون بيانية ، كأنه قيل : هب لنا قرة أعين ، ثم بينت القرة وفسرت بقوله : ( من أزواجنا ) ، وهو من قولهم : رأيت منك أسدا ، أي ؛ أنت أسد ، وأن تكون ابتدائية على معنى هب لنا من جهتهم ما تقر به عيوننا من طاعة وصلاح . فإن قيل : لم قال : ( قرة أعين ) فنكر وقلل ؟ قلنا : أما التنكير فلأجل تنكير القرة ؛ لأن المضاف لا سبيل إلى تنكيره إلا بتنكير المضاف إليه ، كأنه قال : هب لنا منهم سرورا وفرحا ، وإنما قال : " أعين " دون عيون لأنه أراد أعين المتقين ، وهي قليلة بالإضافة إلى عيون غيرهم ، قال تعالى : ( وقليل من عبادي الشكور ) [سبأ : 13] .
المسألة الرابعة : قال الزجاج : أقر الله عينك ؛ أي : صادف فؤادك ما يحبه . وقال المفضل في قرة العين ثلاثة أقوال :
أحدها : يرد دمعتها ، وهي التي تكون مع الضحك والسرور ، ودمعة الحزن حارة .
والثاني : نومها ؛ لأنه يكون مع ذهاب الحزن والوجع .
والثالث : حضور الرضا .
المسألة الخامسة : قوله : ( واجعلنا للمتقين إماما ) الأقرب أنهم سألوا الله تعالى أن يبلغهم في الطاعة المبلغ الذي يشار إليهم ويقتدى بهم ، قال بعضهم في الآية ما يدل على أن يجب أن تطلب ويرغب فيها ، قال الرياسة في الدين الخليل عليه الصلاة والسلام : ( واجعل لي لسان صدق في الآخرين ) [الشعراء : 84] وقيل : نزلت هذه الآيات في العشرة المبشرين بالجنة .
المسألة السادسة : احتج أصحابنا بهذه الآية على أن مخلوق لله تعالى ، قالوا : لأن الإمامة في الدين لا تكون إلا بالعلم والعمل ، فدل على أن العلم والعمل إنما يكون بجعل الله تعالى وخلقه ، وقال القاضي : المراد من السؤال الألطاف التي إذا كثرت صاروا مختارين لهذه الأشياء ، فيصيرون أئمة . والجواب : أن تلك الألطاف مفعولة لا محالة ، فيكون سؤالها عبثا . فعل العبد
المسألة السابعة : قال الفراء : قال : " إماما " ، ولم يقل : أئمة ، كما قال للاثنين : ( إني رسول رب العالمين ) [الزخرف : 46] ، ويجوز أن يكون المعنى : اجعل كل واحد منا إماما ، كما قال : ( يخرجكم طفلا ) [غافر : 67] ، وقال الأخفش : الإمام جمع واحده آم كصائم وصيام . وقال القفال : وعندي أن الإمام إذا ذهب به مذهب الاسم وحد ، كأنه قيل : اجعلنا حجة للمتقين ، ومثله البينة ، يقال : هؤلاء بينة فلان . واعلم أنه سبحانه وتعالى لما عدد صفات [ ص: 101 ] المتقين المخلصين بين بعد ذلك أنواع إحسانه إليهم ، وهي مجموعة في أمرين ؛ المنافع والتعظيم .