( 30 ويلقون فيها تحية وسلاما خالدين فيها حسنت مستقرا ومقاما قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم فقد كذبتم فسوف يكون لزاما ) .
وثانيهما التعظيم : وهو قوله تعالى : ( ويلقون فيها تحية وسلاما ) قرئ : "يلقون" ؛ كقوله : ( ولقاهم نضرة وسرورا ) [ الإنسان : 11] و " يلقون " كقوله : ( يلق أثاما ) [الفرقان : 68] ، والتحية : الدعاء بالتعمير ، والسلام : الدعاء بالسلامة ، فيرجع حاصل التحية إلى كون ، ويرجع السلام إلى كون ذلك النعيم خالصا عن شوائب الضرر ، ثم هذه التحية والسلام يمكن أن يكون من الله تعالى ؛ لقوله : ( نعيم الجنة باقيا غير منقطع سلام قولا من رب رحيم ) [يس : 58] ويمكن أن يكون من الملائكة ؛ لقوله : ( والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم ) [الرعد : 23 ، 24] ويمكن أن يكون من بعضهم على بعض .
أما قوله : ( خالدين فيها حسنت مستقرا ومقاما ) فالمراد أنه سبحانه لما وعد بالمنافع أولا وبالتعظيم ثانيا ، بين أن من صفتهما الدوام ، وهو المراد من قوله : ( خالدين فيها ) ، ومن صفتهما الخلوص أيضا ، وهو المراد من قوله : ( حسنت مستقرا ومقاما ) ، وهذا في مقابلة قوله : ( ساءت مستقرا ومقاما ) أي : ما أسوأ ذلك وما أحسن هذا .
أما قوله : ( قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم فقد كذبتم فسوف يكون لزاما ) فاعلم أنه سبحانه لما شرح صفات المتقين ، وشرح حال ثوابهم أمر رسوله أن يقول : ( قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم ) فدل بذلك على ، وأنه تعالى إنما كلفهم لينتفعوا بطاعتهم ، وفيه مسائل : أنه تعالى غني عن عبادتهم
المسألة الأولى : قال الخليل : ما أعبأ بفلان ؛ أي : ما أصنع به ، كأنه يستقله ويستحقره ، وقال أبو عبيدة : ما [ ص: 102 ] أعبأ به ؛ أي : وجوده وعدمه عندي سواء ، وقال الزجاج : معناه أي : لا وزن لكم عند ربكم ، والعبء في اللغة : الثقل ، وقال : ما يبالي بكم ربي . أبو عمرو بن العلاء
المسألة الثانية : في " ما " قولان :
أحدهما : أنها متضمنة لمعنى الاستفهام ، وهي في محل النصب ، وهي عبارة عن المصدر ، كأنه قيل : وأي عبء يعبأ بكم لولا دعاؤكم .
والثاني : أن تكون ما نافية .
المسألة الثالثة : ذكروا في قوله : ( لولا دعاؤكم ) وجهين :
أحدهما : لولا دعاؤه إياكم إلى الدين ، والطاعة والدعاء على هذا مصدر مضاف إلى المفعول .
وثانيهما : أن مضاف إلى الفاعل ، وعلى هذا التقدير ذكروا فيه وجوها : الدعاء
أحدها : لولا دعاؤكم : لولا إيمانكم .
وثانيها : لولا عبادتكم .
وثالثها : لولا دعاؤكم إياه في الشدائد ؛ كقوله : ( فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله ) [العنكبوت : 65] .
ورابعها : دعاؤكم يعني لولا شكركم له على إحسانه ؛ لقوله : ( ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم ) [النساء : 147] .
وخامسها : ما خلقتكم وبي إليكم حاجة إلا أن تسألوني فأعطيكم وتستغفروني فأغفر لكم .
أما قوله : ( فقد كذبتم ) فالمعنى أني إذا أعلمتكم أن حكمي أني لا أعتد بعبادي إلا لعبادتهم فقد خالفتم بتكذيبكم حكمي ، فسوف يلزمكم أثر تكذيبكم ، وهو عقاب الآخرة ، ونظيره أن يقول الملك لمن استعصى عليه : إن من عادتي أن أحسن إلى من يطيعني ، وقد عصيت فسوف ترى ما أحل بك بسبب عصيانك . فإن قيل : إلى من يتوجه هذا الخطاب ؟ قلنا : إلى الناس على الإطلاق ، ومنهم مؤمنون عابدون ومكذبون عاصون ، فخوطبوا بما وجد في جنسهم من العبادة والتكذيب . وقرئ : " فقد " ، وقرئ : " لزاما " بالفتح بمعنى اللزوم ، كالثبات والثبوت ، والوجه أن ترك اسم كان غير منطوق به بعدما علم أنه مما توعد به لأجل الإبهام ويتناول ما لا يحيط به الوصف . ثم قيل : هذا العذاب في الآخرة ، وقيل : كان يوم كذب الكافرون فسوف يكون العذاب لزاما بدر ، وهو قول رحمه الله ، والله أعلم . مجاهد
تم تفسير هذه السورة ، والحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي الأمي وآله وصحبه أجمعين .