أما قوله : ( إلا من أتى الله بقلب سليم ) فاعلم أنه تعالى أكرمه بهذا الوصف حيث قال : ( وإن من شيعته لإبراهيم إذ جاء ربه بقلب سليم ) [ الصافات : 83 ، 84 ] .
ثم في هذا الاستثناء وجوه :
أحدها : أنه إذا قيل لك : هل لزيد مال وبنون ؟ فتقول : ماله وبنوه سلامة قلبه ، تريد نفي المال والبنين عنه وإثبات سلامة القلب له بدلا عن ذلك ، فكذا في هذه الآية .
وثانيها : أن نحمل الكلام على المعنى ونجعل المال والبنين في معنى الغنى كأنه قيل يوم لأن غنى الرجل في دينه بسلامة قلبه كما أن غناه في دنياه بماله وبنيه . لا ينفع غنى إلا غنى من أتى الله بقلب سليم
وثالثها : أن نجعل [ من ] مفعولا ل " ينفع " أي لا ينفع مال ولا بنون إلا رجلا سلم قلبه مع ماله حيث أنفقه في طاعة الله تعالى ، ومع بنيه حيث أرشدهم إلى الدين ، ويجوز على هذا ( إلا من أتى الله بقلب سليم ) من فتنة المال والبنين ، أما السليم ففي ثلاثة أوجه :
الأول : وهو الأصح أن المراد منه سلامة القلب عن الجهل والأخلاق الرذيلة ، وذلك لأنه كما أن صحة البدن وسلامته عبارة عن حصول ما ينبغي من المزاج والتركيب والاتصال ومرضه عبارة عن زوال أحد تلك الأمور فكذلك سلامة القلب عبارة عن حصول ما ينبغي له وهو العلم والخلق الفاضل ومرضه عبارة عن زوال أحدهما فقوله : ( إلا من أتى الله بقلب سليم ) أن يكون خاليا عن العقائد الفاسدة والميل إلى شهوات الدنيا ولذاتها فإن قيل فظاهر هذه الآية يقتضي أن من سلم قلبه كان ناجيا وأنه لا حاجة فيه إلى سلامة اللسان واليد جوابه : أن القلب مؤثر واللسان والجوارح تبع فلو كان القلب سليما لكانا سليمين لا محالة ، وحيث لم يسلما ثبت عدم سلامة القلب .
التأويل الثاني : أن السليم هو اللديغ من خشية الله تعالى .
التأويل الثالث : أن السليم هو الذي سلم وأسلم وسالم واستسلم والله أعلم .