(
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=10ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم أوليس الله بأعلم بما في صدور العالمين nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=11وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين )
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=10ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم أوليس الله بأعلم بما في صدور العالمين nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=11وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين )
نقول أقسام المكلفين ثلاثة : مؤمن ظاهر بحسن اعتقاده ، وكافر مجاهر بكفره وعناده ، ومذبذب بينهما
nindex.php?page=treesubj&link=30563_30565يظهر الإيمان بلسانه ويضمر الكفر في فؤاده ، والله تعالى لما بين القسمين بقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=3فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ) (العنكبوت : 3 ) وبين أحوالهما بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=4أم حسب الذين يعملون السيئات ) إلى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=9والذين آمنوا وعملوا الصالحات ) بين القسم الثالث وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=10ومن الناس من يقول آمنا بالله ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=10ومن الناس من يقول آمنا ) ولم يقل آمنت مع أنه وحد الأفعال التي بعده كقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=10فإذا أوذي في الله ) وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=10جعل فتنة الناس ) ؛ وذلك لأن
nindex.php?page=treesubj&link=30563_30569المنافق كان يشبه نفسه بالمؤمن ، ويقول إيماني كإيمانك فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=10آمنا ) يعني أنا والمؤمن حقا آمنا ، إشعارا بأن إيمانه كإيمانه ، وهذا كما أن الجبان الضعيف إذا خرج مع الأبطال في القتال وهزموا خصومهم ، يقول الجبان : خرجنا وقاتلناهم وهزمناهم ، فيصح من السامع لكلامه أن يقول : وماذا كنت أنت فيهم حتى تقول خرجنا وقاتلنا ؟ وهذا الرد يدل على أنه يفهم من كلامه أن خروجه وقتاله كخروجهم وقتالهم ؛ لأنه لا يصح الإنكار عليه في دعوى نفس الخروج والقتال ، وكذا قول القائل أنا والملك ألفينا فلانا واستقبلناه ينكر ؛ لأن المفهوم منه المساواة فهم لما أرادوا إظهار كون إيمانهم كإيمان المحقين كان الواحد يقول : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=10آمنا ) أي أنا والمحق .
المسألة الثانية : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=10فإذا أوذي في الله ) هو في معنى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=195وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي ) (آل عمران : 195) غير أن المراد بتلك الآية الصابرون على أذية الكافرين ، والمراد ههنا الذين لم يصبروا عليها فقال هناك : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=195وأوذوا في سبيلي ) (آل عمران : 195 ) وقال ههنا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=10أوذي في الله ) ولم يقل في سبيل الله ، واللطيفة فيه أن الله أراد بيان شرف المؤمن الصابر ، وخسة المنافق الكافر فقال هناك أوذي المؤمن في سبيل الله ؛ ليترك سبيله ولم يتركه ، وأوذي المنافق الكافر فترك الله بنفسه ، وكان يمكنه أن يظهر موافقتهم إن بلغ الإيذاء إلى حد الإكراه ، ويكون قلبه مطمئنا بالإيمان فلا يترك الله ، ومع هذا لم يفعله بل ترك الله بالكلية ، والمؤمن أوذي ولم يترك
[ ص: 35 ] سبيل الله بل أظهر كلمتي الشهادة وصبر على الطاعة والعبادة .
المسألة الثالثة : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=10جعل فتنة الناس كعذاب الله ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : جعل فتنة الناس صارفة عن الإيمان كما أن عذاب الله صارف عن الكفر ، وقيل جزعوا من عذاب الناس كما جزعوا من عذاب الله ، وبالجملة معناه أنهم
nindex.php?page=treesubj&link=30563_30565_30569جعلوا فتنة الناس مع ضعفها وانقطاعها كعذاب الله الأليم الدائم ، حتى ترددوا في الأمر ، وقالوا : إن آمنا نتعرض للتأذي من الناس ، وإن تركنا الإيمان نتعرض لما توعدنا به
محمد عليه الصلاة والسلام ، واختاروا الاحتراز عن التأذي العاجل ، ولا يكون التردد إلا عند التساوي ، ومن أين إلى أين تعذيب الناس لا يكون شديدا ولا يكون مديدا ؛ لأن العذاب إن كان شديدا كعذاب النار وغيره يموت الإنسان في الحال فلا يدوم التعذيب ، وإن كان مديدا كالحبس والحصر لا يكون شديدا ، وعذاب الله شديد وزمانه مديد ، وأيضا عذاب الناس له دافع وعذاب الله ما له من دافع ، وأيضا عذاب الناس عليه ثواب عظيم ، وعذاب الله بعده عذاب أليم ،
nindex.php?page=treesubj&link=29468_29679والمشقة إذا كانت مستعقبة للراحة العظيمة تطيب ولا تعد عذابا كما تقطع السلعة المؤذية ولا تعد عذابا .
المسألة الرابعة : قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=10فتنة الناس ) ولم يقل : عذاب الناس ؛ لأن فعل العبد ابتلاء وامتحان من الله ، وفتنته
nindex.php?page=treesubj&link=29677_29676تسليط بعض الناس على من أظهر كلمة الإيمان ليؤذيه فتبين منزلته كما جعل التكاليف ابتلاء وامتحانا ، وهذا إشارة إلى أن
nindex.php?page=treesubj&link=19572_19576الصبر على البلية الصادرة ابتلاء وامتحان من الإنسان كالصبر على العبادات .
المسألة الخامسة : لو قال قائل : هذا يقتضي منع المؤمن من
nindex.php?page=treesubj&link=18535_24889إظهار كلمة الكفر بالإكراه ؛ لأن من أظهر كلمة الكفر بالإكراه احترازا عن التعذيب العاجل يكون قد جعل فتنة الناس كعذاب الله ، فنقول ليس كذلك ؛ لأن من أكره على الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان ، لم يجعل فتنة الناس كعذاب الله ؛ لأن عذاب الله يوجب ترك ما يعذب عليه ظاهرا وباطنا ، وهذا المؤمن المكره لم يجعل فتنة الناس كعذاب الله ، بحيث يترك ما يعذب عليه ظاهرا وباطنا ، بل في باطنه الإيمان .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=10وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=11وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ )
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=10وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=11وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ )
نَقُولُ أَقْسَامُ الْمُكَلَّفِينَ ثَلَاثَةٌ : مُؤْمِنٌ ظَاهِرٌ بِحُسْنٍ اعْتِقَادِهِ ، وَكَافِرٌ مُجَاهِرٌ بِكُفْرِهِ وَعِنَادِهِ ، وَمُذَبْذَبٌ بَيْنَهُمَا
nindex.php?page=treesubj&link=30563_30565يُظْهِرُ الْإِيمَانَ بِلِسَانِهِ وَيُضْمِرُ الْكُفْرَ فِي فُؤَادِهِ ، وَاللَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ الْقِسْمَيْنِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=3فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ) (الْعَنْكَبُوتِ : 3 ) وَبَيَّنَ أَحْوَالَهُمَا بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=4أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ ) إِلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=9وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) بَيَّنَ الْقِسْمَ الثَّالِثَ وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=10وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ ) وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=10وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا ) وَلَمْ يَقُلْ آمَنْتُ مَعَ أَنَّهُ وَحَّدَ الْأَفْعَالَ الَّتِي بَعْدَهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=10فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ ) وَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=10جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ ) ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30563_30569الْمُنَافِقَ كَانَ يُشَبِّهُ نَفْسَهُ بِالْمُؤْمِنِ ، وَيَقُولُ إِيمَانِي كَإِيمَانِكَ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=10آمَنَّا ) يَعْنِي أَنَا وَالْمُؤْمِنُ حَقًّا آمَنَّا ، إِشْعَارًا بِأَنَّ إِيمَانَهُ كَإِيمَانِهِ ، وَهَذَا كَمَا أَنَّ الْجَبَانَ الضَّعِيفَ إِذَا خَرَجَ مَعَ الْأَبْطَالِ فِي الْقِتَالِ وَهَزَمُوا خُصُومَهُمْ ، يَقُولُ الْجَبَانُ : خَرَجْنَا وَقَاتَلْنَاهُمْ وَهَزَمْنَاهُمْ ، فَيَصِحُّ مِنَ السَّامِعِ لِكَلَامِهِ أَنْ يَقُولَ : وَمَاذَا كُنْتَ أَنْتَ فِيهِمْ حَتَّى تَقُولَ خَرَجْنَا وَقَاتَلْنَا ؟ وَهَذَا الرَّدُّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ خُرُوجَهُ وَقِتَالَهُ كَخُرُوجِهِمْ وَقِتَالِهِمْ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِ فِي دَعْوَى نَفْسِ الْخُرُوجِ وَالْقِتَالِ ، وَكَذَا قَوْلُ الْقَائِلِ أَنَا وَالْمَلِكُ أَلْفَيْنَا فُلَانًا وَاسْتَقْبَلْنَاهُ يُنْكَرُ ؛ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْهُ الْمُسَاوَاةُ فَهُمْ لَمَّا أَرَادُوا إِظْهَارَ كَوْنِ إِيمَانِهِمْ كَإِيمَانِ الْمُحِقِّينَ كَانَ الْوَاحِدُ يَقُولُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=10آمَنَّا ) أَيْ أَنَا وَالْمُحِقُّ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=10فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ ) هُوَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=195وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي ) (آلِ عِمْرَانَ : 195) غَيْرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِتِلْكَ الْآيَةِ الصَّابِرُونَ عَلَى أَذِيَّةِ الْكَافِرِينَ ، وَالْمُرَادُ هَهُنَا الَّذِينَ لَمْ يَصْبِرُوا عَلَيْهَا فَقَالَ هُنَاكَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=195وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي ) (آلِ عِمْرَانَ : 195 ) وَقَالَ هَهُنَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=10أُوذِيَ فِي اللَّهِ ) وَلَمْ يَقُلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَاللَّطِيفَةُ فِيهِ أَنَّ اللَّهَ أَرَادَ بَيَانَ شَرَفِ الْمُؤْمِنِ الصَّابِرِ ، وَخِسَّةَ الْمُنَافِقِ الْكَافِرِ فَقَالَ هُنَاكَ أُوذِيَ الْمُؤْمِنُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ؛ لِيَتْرُكَ سَبِيلَهُ وَلَمْ يَتْرُكْهُ ، وَأُوذِيَ الْمُنَافِقُ الْكَافِرُ فَتَرَكَ اللَّهَ بِنَفْسِهِ ، وَكَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يُظْهِرَ مُوَافَقَتَهُمْ إِنْ بَلَغَ الْإِيذَاءُ إِلَى حَدِّ الْإِكْرَاهِ ، وَيَكُونُ قَلْبُهُ مُطْمَئِنًا بِالْإِيمَانِ فَلَا يَتْرُكُ اللَّهَ ، وَمَعَ هَذَا لَمْ يَفْعَلْهُ بَلْ تَرَكَ اللَّهَ بِالْكُلِّيَّةِ ، وَالْمُؤْمِنُ أُوذِيَ وَلَمْ يَتْرُكْ
[ ص: 35 ] سَبِيلَ اللَّهِ بَلْ أَظْهَرَ كَلِمَتَيِ الشَّهَادَةِ وَصَبَرَ عَلَى الطَّاعَةِ وَالْعِبَادَةِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=10جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ ) قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ صَارِفَةً عَنِ الْإِيمَانِ كَمَا أَنَّ عَذَابَ اللَّهِ صَارِفٌ عَنِ الْكُفْرِ ، وَقِيلَ جَزِعُوا مِنْ عَذَابِ النَّاسِ كَمَا جَزِعُوا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ ، وَبِالْجُمْلَةِ مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ
nindex.php?page=treesubj&link=30563_30565_30569جَعَلُوا فِتْنَةَ النَّاسِ مَعَ ضَعْفِهَا وَانْقِطَاعِهَا كَعَذَابِ اللَّهِ الْأَلِيمِ الدَّائِمِ ، حَتَّى تَرَدَّدُوا فِي الْأَمْرِ ، وَقَالُوا : إِنْ آمَنَّا نَتَعَرَّضُ لِلتَّأَذِّي مِنَ النَّاسِ ، وَإِنْ تَرَكْنَا الْإِيمَانَ نَتَعَرَّضُ لِمَا تَوَعَّدَنَا بِهِ
مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، وَاخْتَارُوا الِاحْتِرَازَ عَنِ التَّأَذِّي الْعَاجِلِ ، وَلَا يَكُونُ التَّرَدُّدُ إِلَّا عِنْدَ التَّسَاوِي ، وَمِنْ أَيْنَ إِلَى أَيْنَ تَعْذِيبُ النَّاسِ لَا يَكُونُ شَدِيدًا وَلَا يَكُونُ مَدِيدًا ؛ لِأَنَّ الْعَذَابَ إِنْ كَانَ شَدِيدًا كَعَذَابِ النَّارِ وَغَيْرِهِ يَمُوتُ الْإِنْسَانُ فِي الْحَالِ فَلَا يَدُومُ التَّعْذِيبُ ، وَإِنْ كَانَ مَدِيدًا كَالْحَبْسِ وَالْحَصْرِ لَا يَكُونُ شَدِيدًا ، وَعَذَابُ اللَّهِ شَدِيدٌ وَزَمَانُهُ مَدِيدٌ ، وَأَيْضًا عَذَابُ النَّاسِ لَهُ دَافِعٌ وَعَذَابُ اللَّهِ مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ ، وَأَيْضًا عَذَابُ النَّاسِ عَلَيْهِ ثَوَابٌ عَظِيمٌ ، وَعَذَابُ اللَّهِ بَعْدَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ،
nindex.php?page=treesubj&link=29468_29679وَالْمَشَقَّةُ إِذَا كَانَتْ مُسْتَعْقِبَةً لِلرَّاحَةِ الْعَظِيمَةِ تَطِيبُ وَلَا تُعَدُّ عَذَابًا كَمَا تُقْطَعُ السِّلْعَةُ الْمُؤْذِيَةُ وَلَا تُعَدُّ عَذَابًا .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=10فِتْنَةَ النَّاسِ ) وَلَمْ يَقُلْ : عَذَابَ النَّاسِ ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْعَبْدِ ابْتِلَاءٌ وَامْتِحَانٌ مِنَ اللَّهِ ، وَفِتْنَتُهُ
nindex.php?page=treesubj&link=29677_29676تَسْلِيطُ بَعْضِ النَّاسِ عَلَى مَنْ أَظْهَرَ كَلِمَةَ الْإِيمَانِ لِيُؤْذِيَهُ فَتَبِينُ مُنْزِلَتُهُ كَمَا جَعَلَ التَّكَالِيفَ ابْتِلَاءً وَامْتِحَانًا ، وَهَذَا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19572_19576الصَّبْرَ عَلَى الْبَلِيَّةِ الصَّادِرَةِ ابْتِلَاءٌ وَامْتِحَانٌ مِنَ الْإِنْسَانِ كَالصَّبْرِ عَلَى الْعِبَادَاتِ .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ : لَوْ قَالَ قَائِلٌ : هَذَا يَقْتَضِي مَنْعَ الْمُؤْمِنِ مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=18535_24889إِظْهَارِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ بِالْإِكْرَاهِ ؛ لَأَنَّ مَنْ أَظْهَرَ كَلِمَةَ الْكُفْرِ بِالْإِكْرَاهِ احْتِرَازًا عَنِ التَّعْذِيبِ الْعَاجِلِ يَكُونُ قَدْ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ ، فَنَقُولُ لَيْسَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْكُفْرِ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ ، لَمْ يَجْعَلْ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ ؛ لِأَنَّ عَذَابَ اللَّهِ يُوجِبُ تَرْكَ مَا يُعَذِّبُ عَلَيْهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا ، وَهَذَا الْمُؤْمِنَ الْمُكْرَهَ لَمْ يَجْعَلْ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ ، بِحَيْثُ يَتْرُكُ مَا يُعَذِّبُ عَلَيْهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا ، بَلْ فِي بَاطِنِهِ الْإِيمَانُ .