(
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=43وما يعقلها إلا العالمون nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=44خلق الله السماوات والأرض بالحق إن في ذلك لآية للمؤمنين ) .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=43وما يعقلها إلا العالمون ) .
يعني : حقيقتها . وكون الأمر كذلك لا يعلمه إلا من حصل له العلم ببطلان ما سوى الله ، وفساد عبادة ما عداه ، وفيه معنى حكمي وهو أن
nindex.php?page=treesubj&link=18467_18468العلم الحدسي يعلمه العاقل والعلم الفكري الدقيق يعقله العالم ، وذلك لأن العاقل إذا عرض عليه أمر ظاهر أدركه كما هو بكنهه لكون المدرك ظاهرا وكون المدرك عاقلا ، ولا يحتاج إلى كونه عالما بأشياء قبله ، وأما الدقيق فيحتاج إلى علم سابق فلا بد من عالم ، ثم إنه قد يكون دقيقا في غاية الدقة فيدركه ولا يدركه بتمامه ويعقله إذا كان عالما . إذا علم هذا فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=43وما يعقلها إلا العالمون ) يعني هو
nindex.php?page=treesubj&link=28902_18467_18468ضرب للناس أمثالا ، وحقيقتها وما فيها من الفوائد بأسرها فلا يدركها إلا العلماء .
ثم إنه تعالى لما أمر الخلق بالإيمان وأظهر الحق بالبرهان ولم يأت الكفار بما أمرهم به وقص عليهم قصصا فيها عبر ، وأنذرهم على كفرهم بإهلاك من غبر ، وبين ضعف دليلهم بالتمثيل ، ولم يهتدوا بذلك إلى سواء السبيل ، وحصل يأس الناس عنهم سلى المؤمنين بقوله :
(
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=44خلق الله السماوات والأرض بالحق إن في ذلك لآية للمؤمنين )
يعني : إن لم يؤمنوا هم لا يورث كفرهم شكا في صحة دينكم ، ولا يؤثر شكهم في قوة يقينكم ، فإن خلق الله السماوات والأرض بالحق للمؤمنين بيان ظاهر ، وبرهان باهر ، وإن لم يؤمن به على وجه الأرض كافر ، وفي الآية مسألة يتبين بها تفسير الآية ، وهي أن الله تعالى كيف خص الآية في خلق السماوات والأرض بالمؤمنين مع أن في خلقهما آية لكل عاقل كما قال الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=25ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله ) (لقمان : 25 ) وقال الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=164إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار ) إلى أن قال (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=164لآيات لقوم يعقلون ) (البقرة : 164 ) فنقول
nindex.php?page=treesubj&link=31756_32438خلق السماوات والأرض آية لكل عاقل ، وخلقهما بالحق آية للمؤمنين فحسب ، وبيانه من حيث النقل والعقل ، أما النقل فقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=39ما خلقناهما إلا بالحق ولكن )
[ ص: 63 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=39أكثرهم لا يعلمون ) [الدخان : 39] أخرج أكثر الناس عن العلم بكون خلقهما بالحق مع أنه أثبت علم الكل بأنه خلقهما حيث قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=164إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار ) وأما العقل فهو أن العاقل أول ما ينظر إلى خلق السماوات والأرض ويعلم أن لهما خالقا وهو الله ثم من يهديه الله لا يقطع النظر عنهما عند مجرد ذلك ، بل يقول إنه خلقهما متقنا محكما وهو المراد بقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=39بالحق ) ، لأن ما لا يكون على وجه الإحكام يفسد ويبطل فيكون باطلا ، وإذا علم أنه خلقهما متقنا يقول إنه قادر كامل حيث خلق ، وعالم علمه شامل حيث أتقن فيقول لا يعزب عن علمه أجزاء الموجودات في الأرض ولا في السماوات ولا يعجز عن جمعها كما جمع أجزاء الكائنات والمبدعات ، فيجوز بعث من في القبور وبعثة الرسول ، ويعلم وحدانية الله لأنه لو كان أكثر من واحد لفسدتا ولبطلتا وهما بالحق موجودان فيحصل له الإيمان بتمامه ، من خلق ما خلقه على أحسن نظامه
(
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=43وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=44خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ ) .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=43وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ) .
يَعْنِي : حَقِيقَتَهَا . وَكَوْنُ الْأَمْرِ كَذَلِكَ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا مَنْ حَصَلَ لَهُ الْعِلْمُ بِبُطْلَانِ مَا سِوَى اللَّهِ ، وَفَسَادِ عِبَادَةِ مَا عَدَاهُ ، وَفِيهِ مَعْنًى حُكْمِيٌّ وَهُوَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=18467_18468الْعِلْمَ الْحَدْسِيَّ يَعْلَمُهُ الْعَاقِلُ وَالْعِلْمَ الْفِكْرِيَّ الدَّقِيقَ يَعْقِلُهُ الْعَالِمُ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَاقِلَ إِذَا عَرَضَ عَلَيْهِ أَمْرٌ ظَاهِرٌ أَدْرَكَهُ كَمَا هُوَ بِكُنْهِهِ لِكَوْنِ الْمُدْرَكِ ظَاهِرًا وَكَوْنِ الْمُدْرَكِ عَاقِلًا ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى كَوْنِهِ عَالِمًا بِأَشْيَاءَ قَبْلَهُ ، وَأَمَّا الدَّقِيقُ فَيَحْتَاجُ إِلَى عِلْمٍ سَابِقٍ فَلَا بُدَّ مِنْ عَالِمٍ ، ثُمَّ إِنَّهُ قَدْ يَكُونُ دَقِيقًا فِي غَايَةِ الدِّقَّةِ فَيُدْرِكُهُ وَلَا يُدْرِكُهُ بِتَمَامِهِ وَيَعْقِلُهُ إِذَا كَانَ عَالِمًا . إِذَا عُلِمَ هَذَا فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=43وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ) يَعْنِي هُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=28902_18467_18468ضَرَبَ لِلنَّاسِ أَمْثَالًا ، وَحَقِيقَتُهَا وَمَا فِيهَا مِنَ الْفَوَائِدِ بِأَسْرِهَا فَلَا يُدْرِكُهَا إِلَّا الْعُلَمَاءُ .
ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَمَرَ الْخَلْقَ بِالْإِيمَانِ وَأَظْهَرَ الْحَقَّ بِالْبُرْهَانِ وَلَمْ يَأْتِ الْكُفَّارُ بِمَا أَمَرَهُمْ بِهِ وَقَصَّ عَلَيْهِمْ قَصَصًا فِيهَا عِبَرٌ ، وَأَنْذَرَهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ بِإِهْلَاكِ مَنْ غَبَرَ ، وَبَيَّنَ ضَعْفَ دَلِيلِهِمْ بِالتَّمْثِيلِ ، وَلَمْ يَهْتَدُوا بِذَلِكَ إِلَى سَوَاءِ السَّبِيلِ ، وَحَصَلَ يَأْسُ النَّاسِ عَنْهُمْ سَلَّى الْمُؤْمِنِينَ بِقَوْلِهِ :
(
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=44خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ )
يَعْنِي : إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا هُمْ لَا يُورِثُ كُفْرُهُمْ شَكًّا فِي صِحَّةِ دِينِكُمْ ، وَلَا يُؤَثِّرُ شَكُّهُمْ فِي قُوَّةِ يَقِينِكُمْ ، فَإِنَّ خَلْقَ اللَّهِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ لِلْمُؤْمِنِينَ بَيَانٌ ظَاهِرٌ ، وَبُرْهَانٌ بَاهِرٌ ، وَإِنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِهِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ كَافِرٌ ، وَفِي الْآيَةِ مَسْأَلَةٌ يَتَبَيَّنُ بِهَا تَفْسِيرُ الْآيَةِ ، وَهِيَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَيْفَ خَصَّ الْآيَةَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بِالْمُؤْمِنِينَ مَعَ أَنَّ فِي خَلْقِهِمَا آيَةً لِكُلِّ عَاقِلٍ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=25وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ) (لُقْمَانَ : 25 ) وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=164إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ) إِلَى أَنْ قَالَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=164لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) (الْبَقَرَةِ : 164 ) فَنَقُولُ
nindex.php?page=treesubj&link=31756_32438خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ آيَةٌ لِكُلِّ عَاقِلٍ ، وَخَلْقُهُمَا بِالْحَقِّ آيَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ فَحَسْبُ ، وَبَيَانُهُ مِنْ حَيْثُ النَّقْلِ وَالْعَقْلِ ، أَمَّا النَّقْلُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=39مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ )
[ ص: 63 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=39أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ) [الدُّخَانِ : 39] أَخْرَجَ أَكْثَرَ النَّاسِ عَنِ الْعِلْمِ بِكَوْنِ خَلْقِهِمَا بِالْحَقِّ مَعَ أَنَّهُ أَثْبَتَ عِلْمَ الْكُلِّ بِأَنَّهُ خَلَقَهُمَا حَيْثُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=164إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ) وَأَمَّا الْعَقْلُ فَهُوَ أَنَّ الْعَاقِلَ أَوَّلَ مَا يَنْظُرُ إِلَى خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ أَنَّ لَهُمَا خَالِقًا وَهُوَ اللَّهُ ثُمَّ مَنْ يَهْدِيهِ اللَّهُ لَا يَقْطَعُ النَّظَرَ عَنْهُمَا عِنْدَ مُجَرَّدِ ذَلِكَ ، بَلْ يَقُولُ إِنَّهُ خَلَقَهُمَا مُتْقِنًا مُحْكِمًا وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=39بِالْحَقِّ ) ، لِأَنَّ مَا لَا يَكُونُ عَلَى وَجْهِ الْإِحْكَامِ يَفْسُدُ وَيَبْطُلُ فَيَكُونُ بَاطِلًا ، وَإِذَا عَلِمَ أَنَّهُ خَلَقَهُمَا مُتْقِنًا يَقُولُ إِنَّهُ قَادِرٌ كَامِلٌ حَيْثُ خَلَقَ ، وَعَالِمٌ عِلْمُهُ شَامِلٌ حَيْثُ أَتْقَنَ فَيَقُولُ لَا يَعْزُبُ عَنْ عِلْمِهِ أَجْزَاءُ الْمَوْجُودَاتِ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا يَعْجِزُ عَنْ جَمْعِهَا كَمَا جَمَعَ أَجْزَاءَ الْكَائِنَاتِ وَالْمُبْدَعَاتِ ، فَيُجَوِّزُ بَعْثَ مَنْ فِي الْقُبُورِ وَبِعْثَةَ الرَّسُولِ ، وَيَعْلَمُ وَحْدَانِيَّةَ اللَّهِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ لَفَسَدَتَا وَلَبَطَلَتَا وَهُمَا بِالْحَقِّ مَوْجُودَانِ فَيَحْصُلُ لَهُ الْإِيمَانُ بِتَمَامِهِ ، مِنْ خَلْقِ مَا خَلَقَهُ عَلَى أَحْسَنِ نِظَامِهِ