( ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب وليأتينهم بغتة وهم لا يشعرون )
ثم قال تعالى : ( ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب وليأتينهم بغتة وهم لا يشعرون )
لما أنذرهم الله بالخسران وهو أتم وجوه الإنذار ; لأن من خسر لا يحصل له في مقابلة قدر الخسران شيء من المنافع ، وإلا لما كان الخسران ذلك القدر بل دونه ، مثاله إذا خسر واحد من العشرة درهما لا ينبغي أن يكون حصل له في مقابلة الدرهم ما يساوي نصف درهم ، وإلا لا يكون الخسران درهما بل نصف درهم ، فإذن هم لما خسروا أعمارهم لا تحصل لهم منفعة تخفيف عذاب ، وإلا يكون ذلك القدر من العمر له منفعة [ ص: 72 ] فيكون للخاسر عذاب أليم ، فقوله : ( وأولئك هم الخاسرون ) تهديد عظيم ، فقالوا إن كان علينا عذاب فأتنا به ، إظهارا لقطعهم بعدم العذاب ، ثم إنه أجاب بأن ; لأنه أجله الله لحكمة ورحمة فلكونه حكيما لا يكون متغيرا منقلبا ، ولكونه رحيما لا يكون غضوبا منزعجا ، ولولا ذلك الأجل المسمى الذي اقتضته حكمته وارتضته رحمته ، لما كان له رحمة وحكمة ، فيكون غضوبا منقلبا فيتأثر باستعجالكم ويتغير من سؤالكم فيعجل ، وليس كذلك فلا يأتيكم بالعذاب وأنتم تسألونه ، ولا يدفع عنكم العذاب حين تستعيذون به منه ، كما قال تعالى : ( العذاب لا يأتيكم بسؤالكم ولا يعجل باستعجالكم كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها ) [ الحج : 22 ] .
ثم قال تعالى : ( وليأتينهم بغتة ) اختلف المفسرون فيه ، فقال بعضهم ليأتينهم العذاب بغتة ; لأن العذاب أقرب المذكورين ، ولأن مسئولهم كان العذاب ، فقال إنه ليأتينهم ، وقال بعضهم ليأتينهم بغتة أي الأجل ; لأن الآتي بغتة هو الأجل ، وأما العذاب بعد الأجل يكون معاينة ، وقد ذكرنا أن ، وهي أنه لو كان وقته معلوما ، لكان كل أحد يتكل على بعده وعلمه بوقته فيفسق ويفجر معتمدا على التوبة قبل الموت . في كون العذاب أو الأجل آتيا بغتة حكمة
قوله تعالى : ( وهم لا يشعرون ) يحتمل وجهين .
أحدهما : تأكيد معنى قوله بغتة كما يقول القائل أتيته على غفلة منه بحيث لم يدر ، فقوله بحيث لم يدر أكد معنى الغفلة .
والثاني : هو كلام يفيد فائدة مستقلة ، وهي أن العذاب يأتيهم بغتة وهم لا يشعرون هذا الأمر ، ويظنون أن العذاب لا يأتيهم أصلا .