( كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون )
ثم قال تعالى : ( كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون )
لما أمر الله تعالى المؤمنين بالمهاجرة صعب عليهم ترك الأوطان ومفارقة الإخوان ، فقال لهم إن ما [ ص: 75 ] تكرهون لا بد من وقوعه فإن : ( كل نفس ذائقة الموت ) والموت مفرق الأحباب ، فالأولى أن يكون ذلك في سبيل الله فيجازيكم عليه ، فإن إلى الله مرجعكم ، وفيه وجه أرق وأدق ، وهو أن الله تعالى قال : كل نفس إذا كانت غير متعلقة بغيرها فهي للموت ، ثم إلى الله ترجع فلا تموت كما قال تعالى : ( لا يذوقون فيها الموت ) [ الدخان : 56 ] إذا ثبت هذا فمن يريد ألا يذوق الموت لا يبقى مع نفسه ، فإن النفس ذائقته بل يتعلق بغيره ، وذلك الغير إن كان غير الله فهو ذائق الموت ومورد الهلاك بقوله : ( كل نفس ذائقة الموت ) ، و ( كل شيء هالك إلا وجهه ) [ القصص : 88 ] فإذا فقال تعالى : ( التعلق بالله يريح من الموت فإياي فاعبدون ) أي تعلقوا بي ، ولا تتبعوا النفس فإنها ذائقة الموت : ( ثم إلينا ترجعون ) أي إذا تعلقتم بي فموتكم رجوع إلي وليس بموت كما قال تعالى : ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء ) [ آل عمران : 169 ] وقال - عليه السلام - : " المؤمنون لا يموتون بل ينقلون من دار إلى دار " فعلى هذا الوجه أيضا يتبين وجه التعلق .