( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين )
ثم قال تعالى : ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين )
لما فرغ من التقرير والتقريع ولم يؤمن الكفار سلى قلوب المؤمنين بقوله : ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ) أي من جاهد بالطاعة هداه سبل الجنة ( وإن الله لمع المحسنين ) إشارة إلى ما قال : ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) [يونس : 26] فقوله : ( لنهدينهم ) إشارة إلى الحسنى ، وقوله : ( وإن الله لمع المحسنين ) إشارة إلى ، وفيه وجه آخر حكمي وهو أن يكون المعنى ( المعية والقربة التي تكون للمحسن زيادة على حسناته والذين جاهدوا فينا ) أي الذين نظروا في دلائلنا ( لنهدينهم سبلنا ) أي لنحصل فيهم العلم بنا . ولنبين هذا فضل بيان ، فنقول : أصحابنا المتكلمون قالوا إن النظر كالشرط للعلم الاستدلالي ، والله يخلق في الناظر علما عقيب نظره ، ووافقهم الفلاسفة على ذلك في المعنى ، وقالوا : النظر معد للنفس لقبول الصورة المعقولة ، وإذا استعدت النفس حصل لها العلم من فيض واهب الصور الجسمانية والعقلية ، وعلى هذا يكون الترتيب حسنا ، وذلك لأن الله تعالى لما ذكر الدلائل ولم تفدهم العلم والإيمان قال : " إنهم لم ينظروا فلم يهتدوا وإنما هو هدى للمتقين " الذين يتقون التعصب والعناد فينظرون فيهديهم ، وقوله : ( وإن الله لمع المحسنين ) إشارة إلى درجة أعلى من الاستدلال كأنه تعالى قال : من الناس من يكون بعيدا لا يتقرب وهم الكفار ، ومنهم من يتقرب بالنظر والسلوك فيهديهم ويقربهم ومنهم من يكون الله معه ، ويكون قريبا منه يعلم الأشياء منه ولا يعلمه من الأشياء ، ومن يكون مع الشيء كيف يطلبه ، فقوله : ( ومن أظلم ) إشارة إلى الأول ، وقوله : ( والذين جاهدوا فينا ) إشارة إلى الثاني ، وقوله : ( وإن الله لمع المحسنين ) إشارة إلى الثالث .
والله أعلم بأسرار كتابه ، والحمد لله رب العالمين وصلاته على سيدنا محمد النبي وآله وصحبه أجمعين .