( ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون )
[ ص: 101 ] ثم قال تعالى : ( ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون )
لما ذكر من العوارض التي للسماء والأرض بعضها ، ذكر من لوازمها البعض وهي قيامها ، فإن الأرض لثقلها يتعجب الإنسان من وقوفها وعدم نزولها ، وكون ، وهذا من اللوازم ، فإن الأرض لا تخرج عن مكانها الذي هي فيه ، والسماء كذلك لا تخرج عن مكانها الذي هي فيه ، فإن قيل إنها تتحرك في مكانها كالرحى ولكن اتفق العقلاء على أنها في مكانها لا تخرج عنه ، وهذه آية ظاهرة ; لأن كونهما في الموضع الذي هما فيه وعلى الموضع الذي هما عليه من الأمور الممكنة ، وكونهما في غير ذلك الموضع جائز ، فكان يمكن أن يخرجا منه فلما لم يخرجا كان ذلك ترجيحا للجائز على غيره ، وذلك لا يكون إلا بفاعل مختار ، والفلاسفة قالوا : كون الأرض في المكان الذي هي فيه طبيعي لها ; لأنها أثقل الأشياء ، والثقيل يطلب المركز ، والخفيف يطلب المحيط ، والسماء كونها في مكانها إن كانت ذات مكان فلذاتها فقيامهما فيهما بطبعهما ، فنقول : قد تقدم مرارا أن القول بالطبيعة باطل ، والذي نزيده هاهنا أنكم وافقتمونا بأن ما جاز على أحد المثلين جاز على المثل الآخر ، لكن مقعر الفلك لا يخالف محدبه في الطبع ، فيجوز حصول مقعره في موضع محدبه ، وذلك بالخروج والزوال ، فإذن الزوال عن المكان ممكن لا سيما على السماء الدنيا ، فإنها محددة الجهات على مذهبكم أيضا ، والأرض كانت تجوز عليها الحركة الدورية ، كما تقولون على السماء ، فعدمها وسكونها ليس إلا بفاعل مختار ، وفي الآية مسائل : السماء يتعجب من علوها وثباتها من غير عمد
المسألة الأولى : ذكر الله من كل باب أمرين ، أما من الأنفس فقوله : ( خلق لكم ) استدل بخلق الزوجين ومن الآفاق السماء والأرض في قوله : ( خلق السماوات والأرض ) ومن لوازم الإنسان اختلاف اللسان واختلاف الألوان ، ومن عوارضه المنام والابتغاء ، ومن عوارض الآفاق البروق والأمطار ومن لوازمها قيام السماء وقيام الأرض ; لأن الواحد يكفي لإقرار بالحق والثاني : يفيد الظن ، وقول الآخر يفيد تأكيده ؛ ولهذا قال إبراهيم - عليه السلام - : ( بلى ولكن ليطمئن قلبي ) [ البقرة : 260 ] .
المسألة الثانية : قوله : ( بأمره ) أي بقوله : ( قوما ) أو بإرادته قيامهما ، وذلك لأن الأمر عند المعتزلة موافق للإرادة ، وعندنا ليس كذلك ولكن النزاع في الأمر الذي للتكليف لا في الأمر الذي للتكوين ، فإنا لا ننازعهم في أن قوله : ( كن ) وكونوا ( يانار كوني ) [الأنبياء : 69] موافق للإرادة .
المسألة الثالثة : قال هاهنا : ( ومن آياته أن تقوم ) وقال قبله : ( ومن آياته يريكم ) ولم يقل أن يريكم ، وإن قال بعض المفسرين إن أن مضمرة هناك معناه من آياته ( أن يريكم ) ليصير كالمصدر بأن ، وذلك لأن القيام لما كان غير متغير أخرج الفعل بأن عن الفعل المستقبل ، وجعله مصدرا ; لأن المستقبل ينبئ عن التجدد ، وفي البرق لما كان ذلك من الأمور التي تتجدد في زمان دون زمان ذكره بلفظ المستقبل ، ولم يذكر معه شيئا من الحروف المصدرية .
المسألة الرابعة : ذكر ستة دلائل ، وذكر في أربعة منها إن في ذلك لآيات ، ولم يذكر في الأول وهو قوله : ( ومن آياته أن خلقكم من تراب ) ولا في الآخر وهو قوله : ( ومن آياته أن تقوم السماء والأرض ) أما في الأول فلأن قوله بعده : ( ومن آياته أن خلق لكم ) أيضا دليل الأنفس ، فخلق الأنفس وخلق الأزواج من باب واحد ، [ ص: 102 ] على ما بينا ، غير أنه تعالى ذكر من كل باب أمرين للتقرير بالتكرير ، فإذا قال : ( إن في ذلك لآيات ) كان عائدا إليهما ، وأما في قيام السماء والأرض فنقول في الآيات السماوية ذكر أنها آيات للعالمين ، ولقوم يعقلون لظهورها ، فلما كان في أول الأمر ظاهرا ففي آخر الأمر بعد سرد الدلائل يكون أظهر ، فلم يميز أحدا عن أحد في ذلك ، وذكر ما هو مدلوله وهو قدرته على الإعادة ، وقال : ( ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون ) وفيها مسائل :
المسألة الأولى : ما وجه العطف بثم ، وبم تعلق ثم ؟ فنقول معناه والله أعلم إنه تعالى إذا بين لكم كمال قدرته بهذه الآيات بعد ذلك يخبركم ، ويعلمكم أنه إذا قال للعظام الرميمة اخرجوا من الأجداث يخرجون أحياء .
المسألة الثانية : قول القائل دعا فلان فلانا من الجبل يحتمل أن يكون الدعاء من الجبل ، كما يقول القائل يا فلان اصعد إلى الجبل ، فيقال دعاه من الجبل ، ويحتمل أن يكون المدعو يدعى من الجبل كما يقول القائل يا فلان انزل من الجبل ، فيقال دعاه من الجبل ، ولا يخفى على العاقل أن الدعاء لا يكون من الأرض إذا كان الداعي هو الله ، فالمدعو يدعى من الأرض يعني أنتم تكونون في الأرض فيدعوكم منها فتخرجون .
المسألة الثالثة : قوله تعالى : ( إذا أنتم ) قد بينا أنه للمفاجأة يعني يكون ذلك بكن فيكون .
المسألة الرابعة : ثم إذا أنتم بشر تنتشرون ) فنقول هناك يكون خلق وتقدير وتدريج وتراخ حتى يصير التراب قابلا للحياة ، فينفخ فيه روحه ، فإذا هو بشر ، وأما في الإعادة لا يكون تدريج وتراخ بل يكون نداء وخروج ، فلم يقل هاهنا ثم . قال هاهنا إذا أنتم تخرجون ، وقال في خلق الإنسان أولا : (