( ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم فجاءوهم بالبينات فانتقمنا من الذين أجرموا وكان حقا علينا نصر المؤمنين )
ثم قال تعالى : ( ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم فجاءوهم بالبينات فانتقمنا من الذين أجرموا وكان حقا علينا نصر المؤمنين )
لما بين الأصلين ببراهين ذكر الأصل الثالث وهو النبوة فقال : ( ولقد أرسلنا من قبلك رسلا ) أي إرسالهم دليل رسالتك ، فإنهم لم يكن لهم شغل غير شغلك ، ولم يظهر عليهم غير ما ظهر عليك ومن كذبهم أصابهم البوار ، ومن آمن بهم كان لهم الانتصار ، وله وجه آخر يبين تعلق الآية بما قبلها ، وهو أن الله لما بين البراهين ، ولم ينتفع بها الكفار سلى قلب النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال : حال من تقدمك كان كذلك وجاءوا أيضا بالبينات ، وكان في قومهم كافر ومؤمن كما في قومك فانتقمنا من الكافرين ونصرنا المؤمنين ، وفي قوله تعالى : ( وكان حقا ) وجهان :
أحدهما : فانتقمنا ، وكان الانتقام حقا ، واستأنف وقال علينا ، وعلى هذا يكون هذا بشارة للمؤمنين الذين آمنوا نصر المؤمنين بمحمد - صلى الله عليه وسلم - أي علينا نصركم أيها المؤمنون .
والوجه الثاني : ( وكان حقا علينا ) أي نصر المؤمنين كان حقا علينا ، وعلى الأول لطيفة وعلى الآخر أخرى ، أما على الأول فهو أنه لما قال فانتقمنا بين أنه لم يكن ظلما ، وإنما كان عدلا حقا ، وذلك لأن الانتقام لم يكن إلا بعد كون بقائهم غير مفيد إلا زيادة الإثم وولادة الكافر الفاجر وكان عدمهم خيرا من وجودهم الخبيث ، وعلى الثاني تأكيد البشارة ; لأن كلمة على تفيد معنى اللزوم ، يقال على فلان كذا ، ينبئ عن اللزوم ، فإذا قال حقا أكد ذلك المعنى ، وقد ذكرنا أن النصر هو الغلبة التي لا تكون عاقبتها وخيمة ، فإن إحدى الطائفتين إذا انهزمت أولا ، ثم عادت آخرا لا يكون النصر إلا للمنهزم ، وكذلك موسى وقومه لما انهزموا من فرعون ثم أدركه الغرق لم يكن انهزامهم إلا نصرة ، . فالكافر إن هزم المسلم في بعض الأوقات لا يكون ذلك نصرة إذ لا عاقبة له