( لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور )
ثم قال تعالى : ( جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور لقد كان لسبإ في مسكنهم آية ) .
لما بين الله حال الشاكرين لنعمه بذكر داود وسليمان بين حال الكافرين بأنعمه ، بحكاية أهل سبأ ، وفي سبأ قراءتان بالفتح على أنه اسم بقعة وبالجر مع التنوين على أنه اسم قبيلة وهو الأظهر ؛ لأن الله جعل الآية لسبأ ، والفاهم هو العاقل لا المكان فلا يحتاج إلى إضمار الأهل ، وقوله : ( آية ) أي من فضل ربهم ، ثم بينها بذكر بدله بقوله : ( جنتان عن يمين وشمال ) قال : أية آية في جنتين ، مع أن بعض بلاد الزمخشري العراق فيها آلاف من الجنان ؟ وأجاب بأن المراد لكل واحد جنتان أو عن يمين بلدهم وشمالها جماعتان من الجنات ، ولاتصال بعضها ببعض جعلها جنة واحدة .
قوله : ( كلوا من رزق ربكم ) إشارة إلى تكميل النعم عليهم حيث لم يمنعهم من أكل ثمارها خوف ولا مرض ، وقوله : ( واشكروا له ) بيان أيضا لكمال النعمة ، فإن الشكر لا يطلب إلا على النعمة المعتبرة ، ثم لما بين حالهم في مساكنهم وبساتينهم وأكلهم أتم بيان النعمة بأن بين أن لا غائلة عليه ولا تبعة في المآل في الدنيا ، فقال : ( بلدة طيبة ) أي طاهرة عن المؤذيات لا حية فيها ولا عقرب ولا وباء ولا وخم ، وقال : ( ورب غفور ) أي لا عقاب عليه ولا عذاب في الآخرة ، فعند هذا بان كمال النعمة حيث كانت لذة حالية خالية عن المفاسد المآلية .