( الله الذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها ومنها تأكلون ولكم فيها منافع ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم وعليها وعلى الفلك تحملون ويريكم آياته فأي آيات الله تنكرون )
قوله تعالى : الله الذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها ومنها تأكلون ولكم فيها منافع ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم وعليها وعلى الفلك تحملون [ ص: 78 ] ويريكم آياته فأي آيات الله تنكرون )
اعلم أنه تعالى لما أطنب في تقرير الوعيد عاد إلى ذكر ما يدل على وجود الإله الحكيم الرحيم ، وإلى ذكر ما يصلح أن يعد إنعاما على العباد ، قال الزجاج : الأنعام الإبل خاصة ، وقال القاضي : هي الأزواج الثمانية ، وفي الآية سؤالات :
السؤال الأول : أنه لما أدخل لام الغرض على قوله ( ثم لتبلغوا ) ولم يدخل على البواقي فما السبب فيه ؟ الجواب : قال صاحب " الكشاف " الركوب في الحج والغزو إما أن يكون واجبا أو مندوبا ، فهذان القسمان أغراض دينية ، فلا جرم أدخل عليهما حرف التعليل ، وأما الأكل وإصابة المنافع فمن جنس المباحات ، فلا جرم ما أدخل عليه حرف التعليل ، نظيره قوله تعالى : ( والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ) [ النحل : 8 ] فأدخل التعليل على الركوب ولم يدخله على الزينة .
السؤال الثاني : قوله تعالى : ( وعليها وعلى الفلك تحملون ) معناه تحملون في البر والبحر ، إذا عرفت هذا فنقول : لم لم يقل : وفي الفلك كما قال ( قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين ) [ هود : 40 ] والجواب : أن كلمة على للاستعلاء ، فالشيء الذي يوضع في الفلك كما يصح أن يقال : وضع فيه يصح أن يقال وضع عليه ، ولما صح الوجهان كانت لفظه أولى حتى يتم المراد في قوله ( وعليها وعلى الفلك تحملون ) ولما ذكر الله هذه الدلائل الكثيرة قال : ( ويريكم آياته فأي آيات الله تنكرون ) يعني أن هذه الآيات التي عددناها كلها ظاهرة باهرة ، فقوله : ( ويريكم آياته فأي آيات ) تنبيه على أنه ليس في شيء من الدلائل التي تقدم ذكرها ما يمكن إنكاره ، قال صاحب " الكشاف " قوله ( فأي آيات الله ) جاء على اللغة المستفيضة ، وقولك : فأية آيات الله قليل ؛ لأن التفرقة بين المذكر والمؤنث في الأسماء غير الصفات نحو : حمار وحمارة ، غريب ، وهي في أي أغرب لإبهامه ، والله أعلم .