(
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=9قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=10وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=11ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=12فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=9قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=10وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=11ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=12فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم )
اعلم أنه تعالى لما أمر
محمدا صلى الله عليه وسلم في الآية الأولى أن يقول : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=6إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم )
[ ص: 88 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=6إله واحد فاستقيموا إليه واستغفروه ) أردفه بما يدل على أنه لا يجوز إثبات الشركة بينه تعالى وبين هذه الأصنام في الإلهية والمعبودية ، وذلك بأن بين
nindex.php?page=treesubj&link=33679_31756كمال قدرته وحكمته في خلق السماوات والأرض في مدة قليلة ، فمن هذا صفته كيف يجوز جعل الأصنام الخسيسة شركاء له في الإلهية والمعبودية ؟ فهذا تقرير النظم ، وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : قرأ
ابن كثير : " أينكم لتكفرون " بهمزة وياء بعدها خفيفة ساكنة بلا مد ، وأما
نافع في رواية
nindex.php?page=showalam&ids=16810قالون وأبو عمرو فعلى هذه الصورة ، إلا أنهما يمدان ، والباقون همزتين بلا مد .
المسألة الثانية : قوله تعالى : ( أئنكم ) استفهام بمعنى الإنكار ، وقد ذكر عنهم شيئين منكرين :
أحدهما : الكفر بالله ، وهو قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=9لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين ) وثانيهما : إثبات الشركاء والأنداد له ، ويجب أن يكون الكفر المذكور أولا مغايرا لإثبات الأنداد له ، ضرورة أن عطف أحدهما على الآخر يوجب التغاير ، والأظهر أن المراد من كفرهم وجوه :
الأول : قولهم إن الله تعالى لا يقدر على
nindex.php?page=treesubj&link=30347حشر الموتى ، فلما نازعوا في ثبوت هذه القدرة فقد كفروا بالله . الثاني : أنهم كانوا ينازعون في صحة التكليف ، وفي بعثة الأنبياء ، وكل ذلك قدح في الصفات المعتبرة في الإلهية ، وهو كفر بالله .
الثالث : أنهم كانوا يضيفون إليه الأولاد ، وذلك أيضا قدح في الإلهية ، وهو يوجب الكفر بالله ، فالحاصل أنهم كفروا بالله لأجل قولهم بهذه الأشياء ، وأثبتوا الأنداد أيضا لله لأجل قولهم بإلهية تلك الأصنام ، واحتج تعالى على فساد قولهم بالتأثير ، فقال : كيف يجوز الكفر بالله ، وكيف يجوز جعل هذه الأصنام الخسيسة أندادا لله تعالى ، مع أنه تعالى هو الذي خلق الأرض في يومين ، وتمم بقية مصالحها في يومين آخرين وخلق السماوات بأسرها في يومين آخرين ؟ .
فمن قدر على خلق هذه الأشياء العظيمة ، كيف يعقل الكفر به ،
nindex.php?page=treesubj&link=28760وإنكار قدرته على الحشر والنشر ؟ وكيف يعقل إنكار قدرته على التكليف وعلى بعثة الأنبياء ؟ وكيف يعقل جعل هذه الأصنام الخسيسة أندادا له في المعبودية والإلهية ، فإن قيل : من استدل بشيء على إثبات شيء ، فذلك الشيء المستدل به يجب أن يكون مسلما عند الخصم حتى يصح الاستدلال به ، وكونه تعالى خالقا للأرض في يومين أمر لا يمكن إثباته بالعقل المحض ، وإنما يمكن إثباته بالسمع ووحي الأنبياء .
والكفار كانوا منازعين في الوحي والنبوة ، فلا يعقل تقرير هذه المقدمة عليهم ، وإذا امتنع تقرير هذه المقدمة عليهم امتنع الاستدلال بها على فساد مذاهبهم ، قلنا : إثبات كون السماوات والأرض مخلوقة بطريق العمل ممكن ، فإذا ثبت ذلك أمكن الاستدلال به على وجود الإله القادر القاهر العظيم ، وحينئذ يقال للكافرين : فكيف يعقل التسوية بين الإله الموصوف بهذه القدرة القاهرة وبين الصنم الذي هو جماد لا يضر ، ولا ينفع في المعبودية والإلهية ؟ .
بقي أن يقال : فحينئذ لا يبقى في الاستدلال بكونه تعالى خالقا للأرض في يومين أثر ، فنقول : هذا أيضا له أثر في هذا الباب ؛ وذلك لأن أول التوراة مشتمل على هذا المعنى ، فكان ذلك في غاية الشهرة بين
أهل الكتاب ، فكفار
مكة كانوا يعتقدون في
أهل الكتاب أنهم أصحاب العلوم والحقائق ، والظاهر أنهم كانوا قد سمعوا من
أهل الكتاب هذه المعاني واعتقدوا في كونها حقة ، وإذا كان الأمر كذلك فحينئذ يحسن أن يقال لهم : إن الإله الموصوف بالقدرة على خلق الأشياء العظيمة في هذه المدة الصغيرة كيف يليق بالعقل جعل الخشب المنجور والحجر المنحوت شريكا له في المعبودية والإلهية ؟ فظهر بما قررنا أن هذا الاستدلال قوي حسن .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=9قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=10وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=11ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=12فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=9قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=10وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=11ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=12فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ )
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَمَرَ
مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى أَنْ يَقُولَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=6إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ )
[ ص: 88 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=6إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ ) أَرْدَفَهُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِثْبَاتُ الشَّرِكَةِ بَيْنَهُ تَعَالَى وَبَيْنَ هَذِهِ الْأَصْنَامِ فِي الْإِلَهِيَّةِ وَالْمَعْبُودِيَّةِ ، وَذَلِكَ بِأَنْ بَيَّنَ
nindex.php?page=treesubj&link=33679_31756كَمَالَ قُدْرَتِهِ وَحِكْمَتِهِ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فِي مُدَّةٍ قَلِيلَةٍ ، فَمَنْ هَذَا صِفَتُهُ كَيْفَ يَجُوزُ جَعْلُ الْأَصْنَامِ الْخَسِيسَةِ شُرَكَاءَ لَهُ فِي الْإِلَهِيَّةِ وَالْمَعْبُودِيَّةِ ؟ فَهَذَا تَقْرِيرُ النَّظْمِ ، وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَرَأَ
ابْنُ كَثِيرٍ : " أَيِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ " بِهَمْزَةٍ وَيَاءٍ بَعْدَهَا خَفِيفَةٍ سَاكِنَةٍ بِلَا مَدٍّ ، وَأَمَّا
نَافِعٌ فِي رِوَايَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=16810قَالُونَ وَأَبُو عَمْرٍو فَعَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ ، إِلَّا أَنَّهُمَا يَمُدَّانِ ، وَالْبَاقُونَ هَمْزَتَيْنِ بِلَا مَدٍّ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى : ( أَئِنَّكُمْ ) اسْتِفْهَامٌ بِمَعْنَى الْإِنْكَارِ ، وَقَدْ ذَكَرَ عَنْهُمْ شَيْئَيْنِ مُنْكَرَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : الْكُفْرُ بِاللَّهِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=9لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ ) وَثَانِيهِمَا : إِثْبَاتُ الشُّرَكَاءِ وَالْأَنْدَادِ لَهُ ، وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْكُفْرُ الْمَذْكُورُ أَوَّلًا مُغَايِرًا لِإِثْبَاتِ الْأَنْدَادِ لَهُ ، ضَرُورَةَ أَنَّ عَطْفَ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ يُوجِبُ التَّغَايُرَ ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ كُفْرِهِمْ وُجُوهٌ :
الْأَوَّلُ : قَوْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَقْدِرُ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=30347حَشْرِ الْمَوْتَى ، فَلَمَّا نَازَعُوا فِي ثُبُوتِ هَذِهِ الْقُدْرَةِ فَقَدْ كَفَرُوا بِاللَّهِ . الثَّانِي : أَنَّهُمْ كَانُوا يُنَازِعُونَ فِي صِحَّةِ التَّكْلِيفِ ، وَفِي بَعْثَةِ الْأَنْبِيَاءِ ، وَكُلُّ ذَلِكَ قَدْحٌ فِي الصِّفَاتِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْإِلَهِيَّةِ ، وَهُوَ كُفْرٌ بِاللَّهِ .
الثَّالِثُ : أَنَّهُمْ كَانُوا يُضِيفُونَ إِلَيْهِ الْأَوْلَادَ ، وَذَلِكَ أَيْضًا قَدْحٌ فِي الْإِلَهِيَّةِ ، وَهُوَ يُوجِبُ الْكُفْرَ بِاللَّهِ ، فَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ لِأَجْلِ قَوْلِهِمْ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ ، وَأَثْبَتُوا الْأَنْدَادَ أَيْضًا لِلَّهِ لِأَجْلِ قَوْلِهِمْ بِإِلَهِيَّةِ تِلْكَ الْأَصْنَامِ ، وَاحْتَجَّ تَعَالَى عَلَى فَسَادِ قَوْلِهِمْ بِالتَّأْثِيرِ ، فَقَالَ : كَيْفَ يَجُوزُ الْكُفْرُ بِاللَّهِ ، وَكَيْفَ يَجُوزُ جَعْلُ هَذِهِ الْأَصْنَامِ الْخَسِيسَةِ أَنْدَادًا لِلَّهِ تَعَالَى ، مَعَ أَنَّهُ تَعَالَى هُوَ الَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ ، وَتَمَّمَ بَقِيَّةَ مَصَالِحِهَا فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ وَخَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِأَسْرِهَا فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ ؟ .
فَمَنْ قَدَرَ عَلَى خَلْقِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْعَظِيمَةِ ، كَيْفَ يُعْقَلُ الْكُفْرُ بِهِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=28760وَإِنْكَارُ قُدْرَتِهِ عَلَى الْحَشْرِ وَالنَّشْرِ ؟ وَكَيْفَ يُعْقَلُ إِنْكَارُ قُدْرَتِهِ عَلَى التَّكْلِيفِ وَعَلَى بَعْثَةِ الْأَنْبِيَاءِ ؟ وَكَيْفَ يُعْقَلُ جَعْلُ هَذِهِ الْأَصْنَامِ الْخَسِيسَةِ أَنْدَادًا لَهُ فِي الْمَعْبُودِيَّةِ وَالْإِلَهِيَّةِ ، فَإِنْ قِيلَ : مَنِ اسْتَدَلَّ بِشَيْءٍ عَلَى إِثْبَاتِ شَيْءٍ ، فَذَلِكَ الشَّيْءُ الْمُسْتَدَلُّ بِهِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُسَلَّمًا عِنْدَ الْخَصْمِ حَتَّى يَصِحَّ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ ، وَكَوْنُهُ تَعَالَى خَالِقًا لِلْأَرْضِ فِي يَوْمَيْنِ أَمْرٌ لَا يُمْكِنُ إِثْبَاتُهُ بِالْعَقْلِ الْمَحْضِ ، وَإِنَّمَا يُمْكِنُ إِثْبَاتُهُ بِالسَّمْعِ وَوَحْيِ الْأَنْبِيَاءِ .
وَالْكُفَّارُ كَانُوا مُنَازِعِينَ فِي الْوَحْيِ وَالنُّبُوَّةِ ، فَلَا يُعْقَلُ تَقْرِيرُ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةِ عَلَيْهِمْ ، وَإِذَا امْتَنَعَ تَقْرِيرُ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةِ عَلَيْهِمُ امْتَنَعَ الِاسْتِدْلَالُ بِهَا عَلَى فَسَادِ مَذَاهِبِهِمْ ، قُلْنَا : إِثْبَاتُ كَوْنِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَخْلُوقَةً بِطَرِيقِ الْعَمَلِ مُمْكِنٌ ، فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ أَمْكَنَ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ عَلَى وُجُودِ الْإِلَهِ الْقَادِرِ الْقَاهِرِ الْعَظِيمِ ، وَحِينَئِذٍ يُقَالُ لِلْكَافِرِينَ : فَكَيْفَ يُعْقَلُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْإِلَهِ الْمَوْصُوفِ بِهَذِهِ الْقُدْرَةِ الْقَاهِرَةِ وَبَيْنَ الصَّنَمِ الَّذِي هُوَ جَمَادٌ لَا يَضُرُّ ، وَلَا يَنْفَعُ فِي الْمَعْبُودِيَّةِ وَالْإِلَهِيَّةِ ؟ .
بَقِيَ أَنْ يُقَالَ : فَحِينَئِذٍ لَا يَبْقَى فِي الِاسْتِدْلَالِ بِكَوْنِهِ تَعَالَى خَالِقًا لِلْأَرْضِ فِي يَوْمَيْنِ أَثَرٌ ، فَنَقُولُ : هَذَا أَيْضًا لَهُ أَثَرٌ فِي هَذَا الْبَابِ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ أَوَّلَ التَّوْرَاةِ مُشْتَمِلٌ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى ، فَكَانَ ذَلِكَ فِي غَايَةِ الشُّهْرَةِ بَيْنَ
أَهْلِ الْكِتَابِ ، فَكُفَّارُ
مَكَّةَ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ فِي
أَهْلِ الْكِتَابِ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْعُلُومِ وَالْحَقَائِقِ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ كَانُوا قَدْ سَمِعُوا مِنْ
أَهْلِ الْكِتَابِ هَذِهِ الْمَعَانِيَ وَاعْتَقَدُوا فِي كَوْنِهَا حَقَّةً ، وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَحِينَئِذٍ يَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ لَهُمْ : إِنَّ الْإِلَهَ الْمَوْصُوفَ بِالْقُدْرَةِ عَلَى خَلْقِ الْأَشْيَاءِ الْعَظِيمَةِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ الصَّغِيرَةِ كَيْفَ يَلِيقُ بِالْعَقْلِ جَعْلُ الْخَشَبِ الْمَنْجُورِ وَالْحَجَرِ الْمَنْحُوتِ شَرِيكًا لَهُ فِي الْمَعْبُودِيَّةِ وَالْإِلَهِيَّةِ ؟ فَظَهَرَ بِمَا قَرَّرْنَا أَنَّ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ قَوِيٌّ حَسَنٌ .