(
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=20وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=21أم آتيناهم كتابا من قبله فهم به مستمسكون nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=22بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=23وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=24قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=25فانتقمنا منهم فانظر كيف كان عاقبة المكذبين )
قوله تعالى (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=20وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=21أم آتيناهم كتابا من قبله فهم به مستمسكون nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=22بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=23وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=24قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=25فانتقمنا منهم فانظر كيف كان عاقبة المكذبين ) .
اعلم أنه تعالى حكى نوعا آخر من كفرهم وشبهاتهم ، وهو أنهم قالوا : لو شاء الرحمن ما عبدناهم ، وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قالت
المعتزلة : هذه الآية تدل على فساد
nindex.php?page=treesubj&link=30458_28783قول المجبرة في أن كفر الكافر يقع بإرادة الله من وجهين :
الأول : أنه تعالى حكى عنهم أنهم قالوا (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=20لو شاء الرحمن ما عبدناهم ) وهذا صريح قول
المجبرة ، ثم إنه تعالى أبطله بقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=20ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون ) فثبت أنه حكى مذهب
المجبرة ، ثم أردفه بالإبطال والإفساد ، فثبت أن هذا المذهب باطل ، ونظيره قوله تعالى في سورة الأنعام : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=148سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ) [ الأنعام : 148 ] إلى قوله
[ ص: 176 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=148قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون ) ، [الأنعام : 148]
والوجه الثاني : أنه تعالى حكى عنهم قبل هذه الآية أنواع كفرهم :
فأولها : قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=15وجعلوا له من عباده جزءا ) .
وثانيها : قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=19وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا ) .
وثالثها : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=20وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم ) فلما حكى هذه الأقاويل الثلاثة بعضها على إثر بعض ، وثبت أن القولين الأولين كفر محض ، فكذلك هذا القول الثالث يجب أن يكون كفرا ، واعلم أن
الواحدي أجاب في "البسيط" عنه من وجهين :
الأول : ما ذكره
الزجاج : وهو أن قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=20ما لهم بذلك من علم ) عائد إلى قولهم : الملائكة إناث ، وإلى قولهم : الملائكة بنات الله .
والثاني : أنهم أرادوا بقولهم (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=20لو شاء الرحمن ما عبدناهم ) أنه أمرنا بذلك ، وأنه رضي بذلك ، وأقرنا عليه ، فأنكر ذلك عليهم ، فهذا ما ذكره
الواحدي في الجواب ، وعندي هذان الوجهان ضعيفان ، أما الأول : فلأنه تعالى حكى عن القوم قولين باطلين ، وبين وجه بطلانهما ، ثم حكى بعده مذهبا ثالثا في مسألة أجنبية عن المسألتين الأوليين ، ثم حكم بالبطلان والوعيد ، فصرف هذا الإبطال عن هذا الذي ذكره عقيبه إلى كلام متقدم أجنبي عنه في غاية البعد .
وأما الوجه الثاني : فهو أيضا ضعيف ، لأن قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=20لو شاء الرحمن ما عبدناهم ) ليس فيه بيان متعلق بتلك المشيئة ، والإجمال خلاف الدليل ، فوجب أن يكون التقدير لو شاء الله ألا نعبدهم ما عبدناهم ، وكلمة "لو" تفيد انتفاء الشيء لانتفاء غيره ، فهذا يدل على أنه لم توجد مشيئة الله لعدم عبادتهم ، وهذا عين مذهب
المجبرة ، فالإبطال والإفساد يرجع إلى هذا المعنى ، ومن الناس من أجاب عن هذا الاستدلال بأن قال : إنهم إنما ذكروا ذلك الكلام على سبيل الاستهزاء والسخرية ، فلهذا السبب استوجبوا الطعن والذم ، وأجاب صاحب "الكشاف" عنه من وجهين :
الأول : أنه ليس في اللفظ ما يدل على أنهم قالوا مستهزئين ، وادعاء ما لا دليل عليه باطل .
الثاني : أنه تعالى حكى عنهم ثلاثة أشياء ، وهي أنهم (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=15جعلوا له من عباده جزءا ) [الزخرف : 15] وأنهم جعلوا الملائكة إناثا ، وأنهم قالوا (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=20لو شاء الرحمن ما عبدناهم ) فلو قلنا بأنه إنما جاء الذم على القول الثالث لأنهم ذكروه على طريق الجد ، وجب أن يكون الحال في حكاية القولين الأولين كذلك ، فلزم أنهم لو نطقوا بتلك الأشياء على سبيل الجد أن يكونوا محقين ، ومعلوم أنه كفر ، وأما القول بأن الطعن في القولين الأولين إنما توجه على نفس ذلك القول ، وفي القول الثالث لا على نفسه بل على إيراده على سبيل الاستهزاء ، فهذا يوجب تشويش النظم ، وأنه لا يجوز في كلام الله .
واعلم أن الجواب الحق عندي عن هذا الكلام ما ذكرناه في سورة الأنعام ، وهو أن القوم إنما ذكروا هذا الكلام لأنهم استدلوا بمشيئة الله تعالى للكفر على أنه لا يجوز ورود الأمر بالإيمان فاعتقدوا أن الأمر والإرادة يجب كونهما متطابقين ، وعندنا أن هذا باطل ، فالقوم لم يستحقوا الذم بمجرد قولهم : إن الله يريد الكفر من الكافر ، بل لأجل أنهم قالوا : لما أراد الكفر من الكافر وجب أن يقبح منه أمر الكافر بالإيمان ، وإذا صرفنا الذم والطعن إلى هذا المقام سقط استدلال
المعتزلة بهذه الآية ، وتمام التقرير مذكور في سورة الأنعام ، والله أعلم .
المسألة الثانية : أنه تعالى لما حكى عنهم ذلك المذهب الباطل ؛ قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=20ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون ) ، وتقريره : كأنه قيل إن القوم يقولون : لما أراد الله الكفر من الكافر وخلق فيه ما أوجب ذلك الكفر وجب أن يقبح منه أن يأمره بالإيمان ؛ لأن مثل هذا التكليف قبيح في الشاهد ، فيكون قبيحا في الغائب ، فقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=20ما لهم بذلك من علم ) أي : ما لهم بصحة هذا القياس من علم ، وذلك لأن أفعال الواحد منا وأحكامه
[ ص: 177 ] مبنية على رعاية المصالح والمفاسد لأجل أن كل ما سوى الله فإنه ينتفع بحصول المصالح ويستضر بحصول المفاسد ، فلا جرم أن صريح طبعه وعقله يحمله على بناء أحكامه وأفعاله على رعاية المصالح ، أما الله سبحانه وتعالى فإنه لا ينفعه شيء ولا يضره شيء ، فكيف يمكن القطع بأنه تعالى يبني أحكامه وأفعاله على رعاية المصالح مع ظهور هذا الفارق العظيم ، فقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=20ما لهم بذلك من علم ) أي : ما لهم بصحة قياس الغائب على الشاهد في هذا الباب علم .
ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=20إن هم إلا يخرصون ) أي كما لم يثبت لهم صحة ذلك القياس فقد ثبت بالبرهان القاطع كونهم كذابين خراصين في ذلك القياس ؛ لأن قياس المنزه عن النفع والضر - من كل الوجوه - على المحتاج المنتفع المتضرر قياس باطل في بديهة العقل .
ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=21أم آتيناهم كتابا من قبله فهم به مستمسكون ) يعني أن القول الباطل الذي حكاه الله تعالى عنهم عرفوا صحته بالعقل أو بالنقل ، أما إثباته بالعقل فهو باطل لقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=20ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون ) وأما إثباته بالنقل فهو أيضا باطل لقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=21أم آتيناهم كتابا من قبله فهم به مستمسكون ) ، والضمير في قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=21من قبله ) للقرآن أو للرسول ، والمعنى : أنهم [هل] وجدوا ذلك الباطل في كتاب منزل قبل القرآن حتى جاز لهم أن يعولوا عليه ، وأن يتمسكوا به ، والمقصود منه ذكره في معرض الإنكار ، ولما ثبت أنه لم يدل عليه لا دليل عقلي ولا دليل نقلي وجب أن يكون القول به باطلا .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=22بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون ) والمقصود أنه تعالى لما بين أنه لا دليل لهم على صحة ذلك القول البتة بين أنه ليس لهم حامل يحملهم عليه إلا التقليد المحض ، ثم بين أن
nindex.php?page=treesubj&link=22311_20350تمسك الجهال بطريقة التقليد أمر كان حاصلا من قديم الدهر ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=23وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون ) وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : قال صاحب "الكشاف" : قرئ " على إمة " بالكسر ، وكلتاهما من الأم ، وهو القصد ، فالأمة الطريقة التي تؤم ، أي : تقصد ؛ كالرحلة للمرحول إليه ، والإمة الحالة التي يكون عليها الآم وهو القاصد .
المسألة الثانية : لو لم يكن في كتاب الله إلا هذه الآيات لكفت في إبطال القول بالتقليد ، وذلك لأنه تعالى بين أن هؤلاء الكفار لم يتمسكوا في إثبات ما ذهبوا إليه لا بطريق عقلي ، ولا بدليل نقلي ، ثم بين أنهم إنما ذهبوا إليه بمجرد تقليد الآباء والأسلاف ، وإنما ذكر تعالى هذه المعاني في معرض الذم والتهجين ، وذلك يدل على أن القول بالتقليد باطل ، ومما يدل عليه أيضا من حيث العقل أن التقليد أمر مشترك فيه بين المبطل وبين المحق ، وذلك لأنه كما حصل لهذه الطائفة قوم من المقلدة ، فكذلك حصل لأضدادهم أقوام من المقلدة ، فلو كان التقليد طريقا إلى الحق لوجب كون الشيء ونقيضه حقا ، ومعلوم أن ذلك باطل .
المسألة الثالثة : أنه تعالى بين أن الداعي إلى القول بالتقليد والحامل عليه إنما هو حب التنعيم في طيبات الدنيا ، وحب الكسل والبطالة ، وبغض تحمل مشاق النظر والاستدلال ؛ لقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=23إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة ) ، والمترفون هم الذين أترفتهم النعمة ، أي : أبطرتهم ، فلا يحبون إلا الشهوات والملاهي ، ويبغضون تحمل المشاق في طلب الحق ، وإذا عرفت هذا علمت أن رأس جميع الآفات حب الدنيا واللذات
[ ص: 178 ] الجسمانية ، ورأس جميع الخيرات هو حب الله والدار الآخرة ، فلهذا قال عليه السلام :
nindex.php?page=treesubj&link=29497حب الدنيا رأس كل خطيئة .
ثم قال تعالى لرسوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=24قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم ) أي : بدين أهدى من دين آبائكم ، فعند هذا حكى الله عنهم أنهم قالوا إنا ثابتون على دين آبائنا لا ننفك عنه وإن جئتنا بما هو أهدى (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=14فإنا بما أرسلتم به كافرون ) وإن كان أهدى مما كنا عليه ، فعند هذا لم يبق لهم عذر ولا علة ، فلهذا قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=25فانتقمنا منهم فانظر كيف كان عاقبة المكذبين ) والمراد منه تهديد الكفار ، والله أعلم .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=20وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=21أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=22بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=23وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=24قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=25فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ )
قَوْلُهُ تَعَالَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=20وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=21أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=22بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=23وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=24قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=25فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ) .
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى حَكَى نَوْعًا آخَرَ مِنْ كُفْرِهِمْ وَشُبُهَاتِهِمْ ، وَهُوَ أَنَّهُمْ قَالُوا : لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ ، وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَالَتِ
الْمُعْتَزِلَةُ : هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى فَسَادِ
nindex.php?page=treesubj&link=30458_28783قَوْلِ الْمُجْبِرَةِ فِي أَنَّ كُفْرَ الْكَافِرِ يَقَعُ بِإِرَادَةِ اللَّهِ مِنْ وَجْهَيْنِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّهُ تَعَالَى حَكَى عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=20لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ ) وَهَذَا صَرِيحُ قَوْلِ
الْمُجْبِرَةِ ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى أَبْطَلَهُ بِقَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=20مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ ) فَثَبَتَ أَنَّهُ حَكَى مَذْهَبَ
الْمُجْبِرَةِ ، ثُمَّ أَرْدَفَهُ بِالْإِبْطَالِ وَالْإِفْسَادِ ، فَثَبَتَ أَنَّ هَذَا الْمَذْهَبَ بَاطِلٌ ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=148سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا ) [ الْأَنْعَامِ : 148 ] إِلَى قَوْلِهِ
[ ص: 176 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=148قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ ) ، [الْأَنْعَامِ : 148]
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّهُ تَعَالَى حَكَى عَنْهُمْ قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ أَنْوَاعَ كُفْرِهِمْ :
فَأَوَّلُهَا : قَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=15وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا ) .
وَثَانِيهَا : قَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=19وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا ) .
وَثَالِثُهَا : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=20وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ ) فَلَمَّا حَكَى هَذِهِ الْأَقَاوِيلَ الثَّلَاثَةَ بَعْضَهَا عَلَى إِثْرِ بَعْضٍ ، وَثَبَتَ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ كُفْرٌ مَحْضٌ ، فَكَذَلِكَ هَذَا الْقَوْلُ الثَّالِثُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ كُفْرًا ، وَاعْلَمْ أَنَّ
الْوَاحِدِيَّ أَجَابَ فِي "الْبَسِيطِ" عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ :
الْأَوَّلُ : مَا ذَكَرَهُ
الزَّجَّاجُ : وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=20مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ ) عَائِدٌ إِلَى قَوْلِهِمُ : الْمَلَائِكَةُ إِنَاثٌ ، وَإِلَى قَوْلِهِمُ : الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُمْ أَرَادُوا بِقَوْلِهِمْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=20لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ ) أَنَّهُ أَمَرَنَا بِذَلِكَ ، وَأَنَّهُ رَضِيَ بِذَلِكَ ، وَأَقَرَّنَا عَلَيْهِ ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ ، فَهَذَا مَا ذَكَرَهُ
الْوَاحِدِيُّ فِي الْجَوَابِ ، وَعِنْدِي هَذَانِ الْوَجْهَانِ ضَعِيفَانِ ، أَمَّا الْأَوَّلُ : فَلِأَنَّهُ تَعَالَى حَكَى عَنِ الْقَوْمِ قَوْلَيْنِ بَاطِلَيْنِ ، وَبَيَّنَ وَجْهَ بُطْلَانِهِمَا ، ثُمَّ حَكَى بَعْدَهُ مَذْهَبًا ثَالِثًا فِي مَسْأَلَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ عَنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ ، ثُمَّ حَكَمَ بِالْبُطْلَانِ وَالْوَعِيدِ ، فَصَرَفَ هَذَا الْإِبْطَالَ عَنْ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ عَقِيبَهُ إِلَى كَلَامٍ مُتَقَدِّمٍ أَجْنَبِيٍّ عَنْهُ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ .
وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي : فَهُوَ أَيْضًا ضَعِيفٌ ، لِأَنَّ قَوْلَهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=20لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ ) لَيْسَ فِيهِ بَيَانٌ مُتَعَلِّقٌ بِتِلْكَ الْمَشِيئَةِ ، وَالْإِجْمَالُ خِلَافُ الدَّلِيلِ ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ لَوْ شَاءَ اللَّهُ أَلَّا نَعْبُدَهُمْ مَا عَبَدْنَاهُمْ ، وَكَلِمَةُ "لَوْ" تُفِيدُ انْتِفَاءَ الشَّيْءِ لِانْتِفَاءِ غَيْرِهِ ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ مَشِيئَةُ اللَّهِ لِعَدَمِ عِبَادَتِهِمْ ، وَهَذَا عَيْنُ مَذْهَبِ
الْمُجْبِرَةِ ، فَالْإِبْطَالُ وَالْإِفْسَادُ يَرْجِعُ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ أَجَابَ عَنْ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ بِأَنْ قَالَ : إِنَّهُمْ إِنَّمَا ذَكَرُوا ذَلِكَ الْكَلَامَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِهْزَاءِ وَالسُّخْرِيَةِ ، فَلِهَذَا السَّبَبِ اسْتَوْجَبُوا الطَّعْنَ وَالذَّمَّ ، وَأَجَابَ صَاحِبُ "الْكَشَّافِ" عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّهُ لَيْسَ فِي اللَّفْظِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ قَالُوا مُسْتَهْزِئِينَ ، وَادِّعَاءُ مَا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ بَاطِلٌ .
الثَّانِي : أَنَّهُ تَعَالَى حَكَى عَنْهُمْ ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ ، وَهِيَ أَنَّهُمْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=15جَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا ) [الزُّخْرُفِ : 15] وَأَنَّهُمْ جَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا ، وَأَنَّهُمْ قَالُوا (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=20لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ ) فَلَوْ قُلْنَا بِأَنَّهُ إِنَّمَا جَاءَ الذَّمُّ عَلَى الْقَوْلِ الثَّالِثِ لِأَنَّهُمْ ذَكَرُوهُ عَلَى طَرِيقِ الْجِدِّ ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْحَالُ فِي حِكَايَةِ الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ كَذَلِكَ ، فَلَزِمَ أَنَّهُمْ لَوْ نَطَقُوا بِتِلْكَ الْأَشْيَاءِ عَلَى سَبِيلِ الْجِدِّ أَنْ يَكُونُوا مُحِقِّينَ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ كُفْرٌ ، وَأَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّ الطَّعْنَ فِي الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ إِنَّمَا تَوَجَّهَ عَلَى نَفْسِ ذَلِكَ الْقَوْلِ ، وَفِي الْقَوْلِ الثَّالِثِ لَا عَلَى نَفْسِهِ بَلْ عَلَى إِيرَادِهِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِهْزَاءِ ، فَهَذَا يُوجِبُ تَشْوِيشَ النَّظْمِ ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي كَلَامِ اللَّهِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ الْجَوَابَ الْحَقَّ عِنْدِي عَنْ هَذَا الْكَلَامِ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ ، وَهُوَ أَنَّ الْقَوْمَ إِنَّمَا ذَكَرُوا هَذَا الْكَلَامَ لِأَنَّهُمُ اسْتَدَلُّوا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِلْكُفْرِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وُرُودُ الْأَمْرِ بِالْإِيمَانِ فَاعْتَقَدُوا أَنَّ الْأَمْرَ وَالْإِرَادَةَ يَجِبُ كَوْنُهُمَا مُتَطَابِقَيْنِ ، وَعِنْدَنَا أَنَّ هَذَا بَاطِلٌ ، فَالْقَوْمُ لَمْ يَسْتَحِقُّوا الذَّمَّ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِمْ : إِنَّ اللَّهَ يُرِيدُ الْكُفْرَ مِنَ الْكَافِرِ ، بَلْ لِأَجْلِ أَنَّهُمْ قَالُوا : لَمَّا أَرَادَ الْكُفْرَ مِنَ الْكَافِرِ وَجَبَ أَنْ يَقْبُحَ مِنْهُ أَمْرُ الْكَافِرِ بِالْإِيمَانِ ، وَإِذَا صَرَفْنَا الذَّمَّ وَالطَّعْنَ إِلَى هَذَا الْمَقَامِ سَقَطَ اسْتِدْلَالُ
الْمُعْتَزِلَةِ بِهَذِهِ الْآيَةِ ، وَتَمَامُ التَّقْرِيرِ مَذْكُورٌ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا حَكَى عَنْهُمْ ذَلِكَ الْمَذْهَبَ الْبَاطِلَ ؛ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=20مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ ) ، وَتَقْرِيرُهُ : كَأَنَّهُ قِيلَ إِنَّ الْقَوْمَ يَقُولُونَ : لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ الْكُفْرَ مِنَ الْكَافِرِ وَخَلَقَ فِيهِ مَا أَوْجَبَ ذَلِكَ الْكُفْرَ وَجَبَ أَنْ يَقْبُحَ مِنْهُ أَنْ يَأْمُرَهُ بِالْإِيمَانِ ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا التَّكْلِيفِ قَبِيحٌ فِي الشَّاهِدِ ، فَيَكُونُ قَبِيحًا فِي الْغَائِبِ ، فَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=20مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ ) أَيْ : مَا لَهُمْ بِصِحَّةِ هَذَا الْقِيَاسِ مِنْ عِلْمٍ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ أَفْعَالَ الْوَاحِدِ مِنَّا وَأَحْكَامَهُ
[ ص: 177 ] مَبْنِيَّةٌ عَلَى رِعَايَةِ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ لِأَجْلِ أَنَّ كُلَّ مَا سِوَى اللَّهِ فَإِنَّهُ يَنْتَفِعُ بِحُصُولِ الْمَصَالِحِ وَيَسْتَضِرُّ بِحُصُولِ الْمَفَاسِدِ ، فَلَا جَرَمَ أَنَّ صَرِيحَ طَبْعِهِ وَعَقْلِهِ يَحْمِلُهُ عَلَى بِنَاءِ أَحْكَامِهِ وَأَفْعَالِهِ عَلَى رِعَايَةِ الْمَصَالِحِ ، أَمَّا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَإِنَّهُ لَا يَنْفَعُهُ شَيْءٌ وَلَا يَضُرُّهُ شَيْءٌ ، فَكَيْفَ يُمْكِنُ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ تَعَالَى يَبْنِي أَحْكَامَهُ وَأَفْعَالَهُ عَلَى رِعَايَةِ الْمَصَالِحِ مَعَ ظُهُورِ هَذَا الْفَارِقِ الْعَظِيمِ ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=20مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ ) أَيْ : مَا لَهُمْ بِصِحَّةِ قِيَاسِ الْغَائِبِ عَلَى الشَّاهِدِ فِي هَذَا الْبَابِ عِلْمٌ .
ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=20إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ ) أَيْ كَمَا لَمْ يَثْبُتْ لَهُمْ صِحَّةُ ذَلِكَ الْقِيَاسِ فَقَدْ ثَبَتَ بِالْبُرْهَانِ الْقَاطِعِ كَوْنُهُمْ كَذَّابِينَ خَرَّاصِينَ فِي ذَلِكَ الْقِيَاسِ ؛ لِأَنَّ قِيَاسَ الْمُنَزَّهِ عَنِ النَّفْعِ وَالضُّرِّ - مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ - عَلَى الْمُحْتَاجِ الْمُنْتَفِعِ الْمُتَضَرِّرِ قِيَاسٌ بَاطِلٌ فِي بَدِيهَةِ الْعَقْلِ .
ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=21أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ ) يَعْنِي أَنَّ الْقَوْلَ الْبَاطِلَ الَّذِي حَكَاهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ عَرَفُوا صِحَّتَهُ بِالْعَقْلِ أَوْ بِالنَّقْلِ ، أَمَّا إِثْبَاتُهُ بِالْعَقْلِ فَهُوَ بَاطِلٌ لِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=20مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ ) وَأَمَّا إِثْبَاتُهُ بِالنَّقْلِ فَهُوَ أَيْضًا بَاطِلٌ لِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=21أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ ) ، وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=21مِنْ قَبْلِهِ ) لِلْقُرْآنِ أَوْ لِلرَّسُولِ ، وَالْمَعْنَى : أَنَّهُمْ [هَلْ] وَجَدُوا ذَلِكَ الْبَاطِلَ فِي كِتَابٍ مُنَزَّلٍ قَبْلَ الْقُرْآنِ حَتَّى جَازَ لَهُمْ أَنْ يُعَوِّلُوا عَلَيْهِ ، وَأَنْ يَتَمَسَّكُوا بِهِ ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ ذِكْرُهُ فِي مَعْرِضِ الْإِنْكَارِ ، وَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّهُ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ لَا دَلِيلٌ عَقْلِيٌّ وَلَا دَلِيلٌ نَقْلِيٌّ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ بِهِ بَاطِلًا .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=22بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ ) وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ أَنَّهُ لَا دَلِيلَ لَهُمْ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ الْقَوْلِ الْبَتَّةَ بَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ حَامِلٌ يَحْمِلُهُمْ عَلَيْهِ إِلَّا التَّقْلِيدُ الْمَحْضُ ، ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=22311_20350تَمَسُّكَ الْجُهَّالِ بِطَرِيقَةِ التَّقْلِيدِ أَمْرٌ كَانَ حَاصِلًا مِنْ قَدِيمِ الدَّهْرِ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=23وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ ) وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَالَ صَاحِبُ "الْكَشَّافِ" : قُرِئَ " عَلَى إِمَّةٍ " بِالْكَسْرِ ، وَكِلْتَاهُمَا مِنَ الْأَمِّ ، وَهُوَ الْقَصْدُ ، فَالْأُمَّةُ الطَّرِيقَةُ الَّتِي تُؤَمُّ ، أَيْ : تُقْصَدُ ؛ كَالرِّحْلَةِ لِلْمَرْحُولِ إِلَيْهِ ، وَالْإِمَّةُ الْحَالَةُ الَّتِي يَكُونُ عَلَيْهَا الْآمُّ وَهُوَ الْقَاصِدُ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَّا هَذِهِ الْآيَاتُ لَكَفَتْ فِي إِبْطَالِ الْقَوْلِ بِالتَّقْلِيدِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارَ لَمْ يَتَمَسَّكُوا فِي إِثْبَاتِ مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ لَا بِطَرِيقٍ عَقْلِيٍّ ، وَلَا بِدَلِيلٍ نَقْلِيٍّ ، ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّهُمْ إِنَّمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ بِمُجَرَّدِ تَقْلِيدِ الْآبَاءِ وَالْأَسْلَافِ ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ تَعَالَى هَذِهِ الْمَعَانِيَ فِي مَعْرِضِ الذَّمِّ وَالتَّهْجِينِ ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ بِالتَّقْلِيدِ بَاطِلٌ ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا مِنْ حَيْثُ الْعَقْلِ أَنَّ التَّقْلِيدَ أَمْرٌ مُشْتَرَكٌ فِيهِ بَيْنَ الْمُبْطِلِ وَبَيْنَ الْمُحِقِّ ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ كَمَا حَصَلَ لِهَذِهِ الطَّائِفَةِ قَوْمٌ مِنَ الْمُقَلِّدَةِ ، فَكَذَلِكَ حَصَلَ لِأَضْدَادِهِمْ أَقْوَامٌ مِنَ الْمُقَلِّدَةِ ، فَلَوْ كَانَ التَّقْلِيدُ طَرِيقًا إِلَى الْحَقِّ لَوَجَبَ كَوْنُ الشَّيْءِ وَنَقِيضِهِ حَقًّا ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ بَاطِلٌ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : أَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ أَنَّ الدَّاعِيَ إِلَى الْقَوْلِ بِالتَّقْلِيدِ وَالْحَامِلَ عَلَيْهِ إِنَّمَا هُوَ حُبُّ التَّنْعِيمِ فِي طَيِّبَاتِ الدُّنْيَا ، وَحُبُّ الْكَسَلِ وَالْبِطَالَةِ ، وَبُغْضُ تَحَمُّلِ مَشَاقِّ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ ؛ لِقَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=23إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ ) ، وَالْمُتْرَفُونَ هُمُ الَّذِينَ أَتْرَفَتْهُمُ النِّعْمَةُ ، أَيْ : أَبْطَرَتْهُمْ ، فَلَا يُحِبُّونَ إِلَّا الشَّهَوَاتِ وَالْمَلَاهِيَ ، وَيُبْغَضُونَ تَحَمُّلَ الْمَشَاقِّ فِي طَلَبِ الْحَقِّ ، وَإِذَا عَرَفْتَ هَذَا عَلِمْتَ أَنَّ رَأْسَ جَمِيعِ الْآفَاتِ حُبُّ الدُّنْيَا وَاللَّذَّاتِ
[ ص: 178 ] الْجُسْمَانِيَّةِ ، وَرَأْسَ جَمِيعِ الْخَيْرَاتِ هُوَ حُبُّ اللَّهِ وَالدَّارِ الْآخِرَةِ ، فَلِهَذَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ :
nindex.php?page=treesubj&link=29497حُبُّ الدُّنْيَا رَأْسُ كُلِّ خَطِيئَةٍ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى لِرَسُولِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=24قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ ) أَيْ : بِدِينٍ أَهْدَى مِنْ دِينِ آبَائِكُمْ ، فَعِنْدَ هَذَا حَكَى اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّا ثَابِتُونَ عَلَى دِينِ آبَائِنَا لَا نَنْفَكُّ عَنْهُ وَإِنْ جِئْتَنَا بِمَا هُوَ أَهْدَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=14فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ ) وَإِنْ كَانَ أَهْدَى مِمَّا كُنَّا عَلَيْهِ ، فَعِنْدَ هَذَا لَمْ يَبْقَ لَهُمْ عُذْرٌ وَلَا عِلَّةٌ ، فَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=25فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ) وَالْمُرَادُ مِنْهُ تَهْدِيدُ الْكُفَّارِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .