(
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=8والذين كفروا فتعسا لهم وأضل أعمالهم nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=9ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=10أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=11ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم ) .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=8والذين كفروا فتعسا لهم ) هذا زيادة في تقوية قلوبهم ، لأنه تعالى لما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=7ويثبت أقدامكم ) جاز أن يتوهم أن الكافر أيضا يصير ويثبت للقتال فيدوم القتال والحراب والطعان والضراب ، وفيه المشقة العظيمة فقال تعالى : لكم الثبات ولهم الزوال والتغير والهلاك فلا يكون الثبات ، وسببه ظاهر ؛ لأن آلهتهم جمادات لا قدرة لها ولا ثبات عند من له قدرة ، فهي غير صالحة لدفع ما قدره الله تعالى عليهم من الدمار ، وعند هذا لا بد عن زوال القدم والعثار ، وقال في حق المؤمنين "ويثبت" بصيغة الوعد لأن الله تعالى لا يجب عليه شيء ، وقال في حقهم بصيغة الدعاء ، وهي أبلغ من صيغة الإخبار من الله ؛ لأن عثارهم واجب ؛ لأن عدم النصرة من آلهتهم واجب الوقوع إذ لا قدرة لها ، والتثبيت من الله ليس بواجب الوقوع ، لأنه قادر مختار يفعل ما يشاء .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=8وأضل أعمالهم ) إشارة إلى بيان مخالفة موتاهم لقتلى المسلمين ، حيث قال في حق قتلاهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=4فلن يضل أعمالهم ) وقال في موتى الكافرين : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=8وأضل أعمالهم ) ثم بين الله تعالى سبب ما اختلفوا فيه فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=9ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم ) وفيه وجوه : الأول : المراد القرآن ، ووجهه هو أن
nindex.php?page=treesubj&link=29786_30531كيفية العمل الصالح لا تعلم بالعقل وإنما تدرك بالشرع ، والشرع بالقرآن ، فلما أعرضوا لم يعرفوا العمل الصالح وكيفية الإتيان به ، فأتوا بالباطل فأحبط أعمالهم .
الثاني : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=9كرهوا ما أنزل الله ) من بيان التوحيد كما قال الله تعالى عنهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=36أئنا لتاركو آلهتنا ) [الصافات : 36] وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=5أجعل الآلهة إلها واحدا ) [ص : 5] إلى أن قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=7إن هذا إلا اختلاق ) [ص : 7] وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=45وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة ) [الزمر : 45] ووجهه أن
nindex.php?page=treesubj&link=28675_30551_30515الشرك محبط للعمل ، قال الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=65لئن أشركت ليحبطن عملك ) [الزمر : 65] وكيف لا والعمل من المشرك لا يقع لوجه الله فلا بقاء له في نفسه ولا بقاء له ببقاء من له العمل ؛ لأن ما سوى وجه الله تعالى هالك محبط .
الثالث : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=9كرهوا ما أنزل الله ) من بيان أمر الآخرة فلم يعملوا لها ، والدنيا وما فيها ومآلها باطل ، فأحبط الله أعمالهم .
[ ص: 44 ] وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=10أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ) .
فيه مناسبة للوجه الثالث يعني : فينظروا إلى حالهم ويعلموا أن الدنيا فانية .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=10دمر الله عليهم ) أي أهلك عليهم متاع الدنيا من الأموال والأولاد والأزواج والأجساد .
وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=10وللكافرين أمثالها ) يحتمل وجهين أحدهما : أن يكون المراد لهم أمثالها في الدنيا ، وحينئذ يكون المراد من الكافرين : هم الكافرون
بمحمد عليه الصلاة والسلام .
وثانيهما : أن يكون المراد لهم أمثالها في الآخرة ، فيكون المراد من تقدم كأنه يقول : دمر الله عليهم في الدنيا ولهم في الآخرة أمثالها ، وفي العائد إليه ضمير المؤنث في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=10أمثالها ) وجهان :
أحدهما : هو المذكور وهو العاقبة .
وثانيهما : هو المفهوم وهو العقوبة؛ لأن التدمير كان عقوبة لهم ، فإن قيل على قولنا المراد للكافرين
بمحمد عليه السلام أمثال ما كان لمن تقدمهم من العاقبة ، يرد سؤال وهو أن الأولين أهلكوا بوقائع شديدة كالزلازل والنيران وغيرهما من الرياح والطوفان ، ولا كذلك قوم
محمد صلى الله عليه وسلم ، نقول : جاز أن يكون عذابهم أشد من عذاب الأولين لكون دين
محمد أظهر بسبب تقدم الأنبياء عليهم السلام عليه وإخبارهم عنه وإنذارهم به ، على أنهم قتلوا وأسروا بأيديهم من كانوا يستخفونهم ويستضعفونهم ، والقتل بيد المثل آلم من الهلاك بسبب عام ، "وسؤال آخر" : إذا كان الضمير عائدا إلى العاقبة فكيف يكون لها أمثال ؟ قلنا : يجوز أن يقال : المراد العذاب الذي هو مدلول العاقبة أو الألم الذي كانت العاقبة عليه .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=11ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم ) .
" ذلك " يحتمل أن يكون إشارة إلى النصر وهو اختيار جماعة ، ذكره
الواحدي ، ويحتمل وجها آخر أغرب من حيث النقل ، وأقرب من حيث العقل ، وهو أنا لما بينا أن قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=10وللكافرين أمثالها ) إشارة إلى أن قوم
محمد عليه الصلاة والسلام أهكلوا بأيدي أمثالهم الذين كانوا لا يرضون بمجالستهم وهو آلم من الهلاك بالسبب العام ، قال تعالى : " ذلك " أي الإهلاك والهوان بسبب أن الله تعالى ناصر المؤمنين ، والكافرون اتخذوا آلهة لا تنفع ولا تضر ، وتركوا الله فلا ناصر لهم ، ولا شك أن من ينصره الله تعالى يقدر على القتل والأسر وإن كان له ألف ناصر فضلا عن أن يكون لا ناصر لهم ، فإن قيل : كيف الجمع بين قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=11لا مولى لهم ) وبين قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=62مولاهم الحق ) [الأنعام : 62] نقول : المولى ورد بمعنى السيد والرب والناصر ، فحيث قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=11لا مولى لهم ) أراد لا ناصر لهم ، وحيث قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=62مولاهم الحق ) أي ربهم ومالكهم ، كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=33ياأيها الناس اتقوا ربكم ) [لقمان : 33] وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=8ربكم ورب آبائكم الأولين ) [الدخان : 8] وفي الكلام تباين عظيم بين الكافر والمؤمن لأن
nindex.php?page=treesubj&link=29677المؤمن ينصره الله وهو خير الناصرين ، والكافر لا مولى له بصيغة نافية للجنس ، فليس له ناصر وإنه شر الناصرين .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=8وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=9ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=10أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=11ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ ) .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=8وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ ) هَذَا زِيَادَةٌ فِي تَقْوِيَةِ قُلُوبِهِمْ ، لِأَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=7وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ) جَازَ أَنْ يُتَوَهَّمَ أَنَّ الْكَافِرَ أَيْضًا يَصِيرُ وَيَثْبُتَ لِلْقِتَالِ فَيَدُومُ الْقِتَالُ وَالْحِرَابُ وَالطِّعَانُ وَالضِّرَابُ ، وَفِيهِ الْمَشَقَّةُ الْعَظِيمَةُ فَقَالَ تَعَالَى : لَكُمُ الثَّبَاتُ وَلَهُمُ الزَّوَالُ وَالتَّغَيُّرُ وَالْهَلَاكُ فَلَا يَكُونُ الثَّبَاتُ ، وَسَبَبُهُ ظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّ آلِهَتَهُمْ جَمَادَاتٌ لَا قُدْرَةَ لَهَا وَلَا ثَبَاتَ عِنْدَ مَنْ لَهُ قُدْرَةٌ ، فَهِيَ غَيْرُ صَالِحَةٍ لِدَفْعِ مَا قَدَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ مِنَ الدَّمَارِ ، وَعِنْدَ هَذَا لَا بُدَّ عَنْ زَوَالِ الْقَدَمِ وَالْعِثَارِ ، وَقَالَ فِي حَقِّ الْمُؤْمِنِينَ "وَيُثَبِّتْ" بِصِيغَةِ الْوَعْدِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ ، وَقَالَ فِي حَقِّهِمْ بِصِيغَةِ الدُّعَاءِ ، وَهِيَ أَبْلَغُ مِنْ صِيغَةِ الْإِخْبَارِ مِنَ اللَّهِ ؛ لِأَنَّ عَثَارَهُمْ وَاجِبٌ ؛ لِأَنَّ عَدَمَ النُّصْرَةِ مِنْ آلِهَتِهِمْ وَاجِبُ الْوُقُوعِ إِذْ لَا قُدْرَةَ لَهَا ، وَالتَّثْبِيتُ مِنَ اللَّهِ لَيْسَ بِوَاجِبِ الْوُقُوعِ ، لِأَنَّهُ قَادِرٌ مُخْتَارٌ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=8وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ) إِشَارَةٌ إِلَى بَيَانِ مُخَالَفَةِ مَوْتَاهُمْ لِقَتْلَى الْمُسْلِمِينَ ، حَيْثُ قَالَ فِي حَقِّ قَتْلَاهُمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=4فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ ) وَقَالَ فِي مَوْتَى الْكَافِرِينَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=8وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ) ثُمَّ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى سَبَبَ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=9ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ) وَفِيهِ وُجُوهٌ : الْأَوَّلُ : الْمُرَادُ الْقُرْآنُ ، وَوَجْهُهُ هُوَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29786_30531كَيْفِيَّةَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ لَا تُعْلَمُ بِالْعَقْلِ وَإِنَّمَا تُدْرَكُ بِالشَّرْعِ ، وَالشَّرْعُ بِالْقُرْآنِ ، فَلَمَّا أَعْرَضُوا لَمْ يَعْرِفُوا الْعَمَلَ الصَّالِحَ وَكَيْفِيَّةَ الْإِتْيَانِ بِهِ ، فَأَتَوْا بِالْبَاطِلِ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ .
الثَّانِي : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=9كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ ) مِنْ بَيَانِ التَّوْحِيدِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=36أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا ) [الصَّافَّاتِ : 36] وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=5أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا ) [ص : 5] إِلَى أَنْ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=7إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ ) [ص : 7] وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=45وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ ) [الزُّمَرِ : 45] وَوَجْهُهُ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28675_30551_30515الشِّرْكَ مُحْبِطٌ لِلْعَمَلِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=65لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ) [الزُّمَرِ : 65] وَكَيْفَ لَا وَالْعَمَلُ مِنَ الْمُشْرِكِ لَا يَقَعُ لِوَجْهِ اللَّهِ فَلَا بَقَاءَ لَهُ فِي نَفْسِهِ وَلَا بَقَاءَ لَهُ بِبَقَاءِ مَنْ لَهُ الْعَمَلُ ؛ لِأَنَّ مَا سِوَى وَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى هَالِكٌ مُحْبَطٌ .
الثَّالِثُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=9كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ ) مِنْ بَيَانِ أَمْرِ الْآخِرَةِ فَلَمْ يَعْمَلُوا لَهَا ، وَالدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَمَآلُهَا بَاطِلٌ ، فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ .
[ ص: 44 ] وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=10أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ) .
فِيهِ مُنَاسَبَةٌ لِلْوَجْهِ الثَّالِثِ يَعْنِي : فَيَنْظُرُوا إِلَى حَالِهِمْ وَيَعْلَمُوا أَنَّ الدُّنْيَا فَانِيَةٌ .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=10دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ) أَيْ أَهْلَكَ عَلَيْهِمْ مَتَاعَ الدُّنْيَا مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَالْأَزْوَاجِ وَالْأَجْسَادِ .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=10وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا ) يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ لَهُمْ أَمْثَالُهَا فِي الدُّنْيَا ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْمُرَادُ مِنَ الْكَافِرِينَ : هُمُ الْكَافِرُونَ
بِمُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ .
وَثَانِيهِمَا : أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ لَهُمْ أَمْثَالُهَا فِي الْآخِرَةِ ، فَيَكُونُ الْمُرَادُ مَنْ تَقَدَّمَ كَأَنَّهُ يَقُولُ : دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ أَمْثَالُهَا ، وَفِي الْعَائِدِ إِلَيْهِ ضَمِيرُ الْمُؤَنَّثِ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=10أَمْثَالُهَا ) وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : هُوَ الْمَذْكُورُ وَهُوَ الْعَاقِبَةُ .
وَثَانِيهِمَا : هُوَ الْمَفْهُومُ وَهُوَ الْعُقُوبَةُ؛ لِأَنَّ التَّدْمِيرَ كَانَ عُقُوبَةً لَهُمْ ، فَإِنْ قِيلَ عَلَى قَوْلِنَا الْمُرَادُ لِلْكَافِرِينَ
بِمُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَمْثَالُ مَا كَانَ لِمَنْ تَقَدَّمَهُمْ مِنَ الْعَاقِبَةِ ، يَرِدُ سُؤَالٌ وَهُوَ أَنَّ الْأَوَّلِينَ أُهْلِكُوا بِوَقَائِعَ شَدِيدَةٍ كَالزَّلَازِلِ وَالنِّيرَانِ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الرِّيَاحِ وَالطُّوفَانِ ، وَلَا كَذَلِكَ قَوْمُ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، نَقُولُ : جَازَ أَنْ يَكُونَ عَذَابُهُمْ أَشَدَّ مِنْ عَذَابِ الْأَوَّلِينَ لِكَوْنِ دِينِ
مُحَمَّدٍ أَظْهَرَ بِسَبَبِ تَقَدُّمِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ عَلَيْهِ وَإِخْبَارِهِمْ عَنْهُ وَإِنْذَارِهِمْ بِهِ ، عَلَى أَنَّهُمْ قَتَلُوا وَأَسَرُوا بِأَيْدِيهِمْ مَنْ كَانُوا يَسْتَخِفُّونَهُمْ وَيَسْتَضْعِفُونَهُمْ ، وَالْقَتْلُ بِيَدِ الْمِثْلِ آلَمُ مِنَ الْهَلَاكِ بِسَبَبٍ عَامٍّ ، "وَسُؤَالٌ آخَرُ" : إِذَا كَانَ الضَّمِيرُ عَائِدًا إِلَى الْعَاقِبَةِ فَكَيْفَ يَكُونُ لَهَا أَمْثَالٌ ؟ قُلْنَا : يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ : الْمُرَادُ الْعَذَابُ الَّذِي هُوَ مَدْلُولُ الْعَاقِبَةِ أَوِ الْأَلَمُ الَّذِي كَانَتِ الْعَاقِبَةُ عَلَيْهِ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=11ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ ) .
" ذَلِكَ " يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ إِشَارَةً إِلَى النَّصْرِ وَهُوَ اخْتِيَارُ جَمَاعَةٍ ، ذَكَرَهُ
الْوَاحِدِيُّ ، وَيَحْتَمِلُ وَجْهًا آخَرَ أَغْرَبَ مِنْ حَيْثُ النَّقْلِ ، وَأَقْرَبَ مِنْ حَيْثُ الْعَقْلِ ، وَهُوَ أَنَّا لَمَّا بَيَّنَّا أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=10وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا ) إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ قَوْمَ
مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أُهْكِلُوا بِأَيْدِي أَمْثَالِهِمُ الَّذِينَ كَانُوا لَا يَرْضَوْنَ بِمُجَالَسَتِهِمْ وَهُوَ آلَمُ مِنَ الْهَلَاكِ بِالسَّبَبِ الْعَامِّ ، قَالَ تَعَالَى : " ذَلِكَ " أَيِ الْإِهْلَاكُ وَالْهَوَانُ بِسَبَبِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَاصِرُ الْمُؤْمِنِينَ ، وَالْكَافِرُونَ اتَّخَذُوا آلِهَةً لَا تَنْفَعُ وَلَا تَضُرُّ ، وَتَرَكُوا اللَّهَ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ يَنْصُرُهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقْدِرُ عَلَى الْقَتْلِ وَالْأَسْرِ وَإِنْ كَانَ لَهُ أَلْفُ نَاصِرٍ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ لَا نَاصِرَ لَهُمْ ، فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ الْجَمْعُ بَيْنَ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=11لَا مَوْلَى لَهُمْ ) وَبَيْنَ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=62مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ ) [الْأَنْعَامِ : 62] نَقُولُ : الْمَوْلَى وَرَدَ بِمَعْنَى السَّيِّدِ وَالرَّبِّ وَالنَّاصِرِ ، فَحَيْثُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=11لَا مَوْلَى لَهُمْ ) أَرَادَ لَا نَاصِرَ لَهُمْ ، وَحَيْثُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=62مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ ) أَيْ رَبُّهُمْ وَمَالِكُهُمْ ، كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=33يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ ) [لُقْمَانَ : 33] وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=8رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ ) [الدُّخَانِ : 8] وَفِي الْكَلَامِ تَبَايُنٌ عَظِيمٌ بَيْنَ الْكَافِرِ وَالْمُؤْمِنِ لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29677الْمُؤْمِنَ يَنْصُرُهُ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ ، وَالْكَافِرَ لَا مَوْلَى لَهُ بِصِيغَةٍ نَافِيَةٍ لِلْجِنْسِ ، فَلَيْسَ لَهُ نَاصِرٌ وَإِنَّهُ شَرُّ النَّاصِرِينَ .