المسألة الأولى : قوله تعالى : ( إنما المؤمنون إخوة ) قال بعض أهل اللغة : ، فالله تعالى قال : ( الإخوة جمع الأخ من النسب ، والإخوان جمع الأخ من الصداقة إنما المؤمنون إخوة ) تأكيدا للأمر وإشارة إلى أن ما بينهم ما بين الأخوة من النسب والإسلام كالأب ، قال قائلهم :
أبي الإسلام لا أب [ لي ] سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم
المسألة الثانية : عند إصلاح الفريقين والطائفتين لم يقل : اتقوا ، وقال ههنا : ( اتقوا ) مع أن ذلك أهم ؟ نقول : الفائدة هو أن الاقتتال بين طائفتين يفضي إلى أن تعم المفسدة ، ويلحق كل مؤمن منها شيء ، وكل يسعى في الإصلاح لأمر نفسه ، فلم يؤكد بالأمر بالتقوى ، وأما عند تخاصم رجلين لا يخاف الناس ذلك ، وربما يريد بعضهم تأكد الخصام بين الخصوم لغرض فاسد ، فقال : ( فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله ) أو نقول : قوله : ( فأصلحوا ) إشارة إلى الصلح ، وقوله : ( واتقوا الله ) إشارة إلى ما يصونهم عن التشاجر ؛ لأن من اتقى الله شغله تقواه عن الاشتغال بغيره ؛ ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " ] " لأن المسلم يكون منقادا لأمر الله مقبلا على عباد الله فيشغله عيبه عن عيوب الناس ، ويمنعه أن يرهب الأخ المؤمن ، وإليه أشار النبي - صلى الله عليه وسلم - : " المسلم من سلم الناس من لسانه و [ يده " يعني اتق الله فلا تتفرغ لغيره . المؤمن من يأمن جاره بوائقه
المسألة الثالثة : ( إنما ) للحصر أي لا أخوة إلا بين المؤمنين ، وأما بين المؤمن والكافر فلا ؛ لأن الإسلام هو الجامع ؛ ولهذا إذا يكون ماله للمسلمين ، ولا يكون لأخيه الكافر ، وأما الكافر [ ص: 112 ] فكذلك لأن في النسب المعتبر الأب الذي هو أب شرعا ، حتى أن مات المسلم وله أخ كافر ، فكذلك الكفر كالجامع الفاسد فهو كالجامع العاجز لا يفيد الأخوة ؛ ولهذا من مات من الكفر وله أخ مسلم ولا وارث له من النسب لا يجعل ماله للكفار ، ولو كان الدين يجمعهم لكان مال الكافر للكفار ، كما أن مال المسلم للمسلمين عند عدم الوارث ، فإن قيل : قد ثبت أن ولدي الزنا من رجل واحد لا يرث أحدهما الآخر ، بدليل أن المسلم يرثه المسلمون ولا يرثه الأخ الكافر من النسب ، فلم لم يقدموا الأخوة الإسلامية على الأخوة النسبية مطلقا حتى يكون مال المسلم للمسلمين لا لإخوته من النسب ؟ نقول : هذا سؤال فاسد ، وذلك لأن الأخ المسلم إذا كان أخا من النسب فقد اجتمع فيه أخوتان فصار أقوى ، والعصوبة لمن له القوة ، ألا ترى أن الأخوة للإسلام أقوى من الأخوة النسبية فكذلك الأخ المسلم من النسب له أخوتان فيقدم على سائر المسلمين ، والله أعلم . الأخ من الأبوين يرث ولا يرث الأخ من الأب معه
المسألة الرابعة : قال النحاة : ، ولولا ذلك لقيل : إنما المؤمنين إخوة ، وفي قوله تعالى : ( " ما " في هذا الموضع كافة ، تكف " إن " عن العمل فبما رحمة من الله ) [ آل عمران : 159 ] وقوله : ( عما قليل ) [ المؤمنون : 40 ] ليست كافة . والسؤال الأقوى هو أن رب من حروف الجر والباء وعن كذلك ، و " ما " في " رب " كافة ، وفي " عما " و " بما " ليست كافة ، والتحقيق فيه هو أن الكلام بعد ربما ، وإنما يكون تاما ، ويمكن جعله مستقلا ، ولو حذف " ربما " و " إنما " لما ضر ، فنقول : ربما قام الأمير وربما زيد في الدار ، ولو حذفت " ربما " وقلت : زيد في الدار وقام الأمير لصح ، وكذلك في " إنما " و " لكنما " . وأما " عما " و " بما " فليست كذلك ؛ لأن قوله تعالى : ( فبما رحمة من الله لنت لهم ) [ آل عمران : 159 ] لو أذهبت " بما " وقلت : رحمة من الله لنت لهم ، لما كان كلاما ، فالباء يعد تعلقها بما يحتاج إليها فهي باقية حقيقة ، و " لكنما " و " إنما " و " ربما " لما استغني عنها فكأنها لم يبق حكمها ولا عمل للمعدوم ، فإن قيل : " إن " إذا لم تكف ب " ما " فما بعده كلام تام ، فوجب أن لا يكون له عمل تقول : إن زيدا قائم ولو قلت : زيد قائم لكفى وتم ؟ نقول : ليس كذلك لأن ما بعد إن جاز أن يكون نكرة ، تقول : إن رجلا جاءني وأخبرني بكذا وأخبرني بعكسه ، وتقول : جاءني رجل وأخبرني ، ولا يحسن إنما رجل جاءني كما لو لم تكن هناك إنما ، وكذلك القول في بينما وأينما فإنك لو حذفتهما واقتصرت على ما يكون بعدهما لا يكون تاما ، فلم يكف ، والكلام في لعل قد تقدم مرارا .