( يوم هم على النار يفتنون ذوقوا فتنتكم هذا الذي كنتم به تستعجلون )
وقوله تعالى : ( يوم هم على النار يفتنون ) يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون جوابا عن قولهم: ( أيان ) يقع ، وحينئذ كما أنهم لم يسألوا سؤال مستفهم طالب لحصول العلم كذلك لم يجبهم جواب مجيب معلم مبين حيث قال : ( يوم هم على النار يفتنون ) وجهلهم بالثاني أقوى من جهلهم بالأول ، ولا يجوز أن يكون الجواب بالأخفى ، فإذا قال قائل : متى يقدم زيد ، فلو قال المجيب يوم يقدم رفيقه ولا يعلم يوم قدوم الرفيق ، لا يصح هذا الجواب إلا إذا كان الكلام في صورة جواب ، ولا يكون جوابا كما أن القائل إذا قال كم تعد عداتي وتخلفها إلى متى هذا الإخلاف فيغضب ويقول إلى أشأم يوم عليك ، الكلامان في صورة سؤال وجواب ولا الأول يريد به السؤال ، ولا الثاني يريد به الجواب ، فكذلك ههنا قال : ( يوم هم على النار يفتنون ) مقابلة استهزائهم بالإيعاد لا على وجه الإتيان بالبيان.
والثاني : أن يكون ذلك ابتداء كلام تمامه :
في قوله تعالى : ( ذوقوا فتنتكم ) فإن قيل : هذا يفضي إلى الإضمار ، نقول الإضمار لا بد منه لأن قوله : ( ذوقوا فتنتكم ) غير متصل بما قبله إلا بإضمار ، يقال : ويفتنون ، قيل معناه : يحرقون ، والأولى أن يقال معناه يعرضون على النار عرض المجرب الذهب على النار ، وكلمة على تناسب ذلك ، ولو كان المراد يحرقون لكان بالنار أو في النار أليق لأن الفتنة هي التجربة ، وأما ما يقال من اختبره ومن أنه تجربة الحجارة فعنى بذلك المعنى مصدر الفتن ، وههنا قال : ( ذوقوا فتنتكم ) والفتنة الامتحان ، فإن قيل : فإذا جعلت : ( يوم هم على النار يفتنون ) مقولا لهم : ( ذوقوا فتنتكم ) فما قوله : ( هذا الذي كنتم به تستعجلون ) ؟
[ ص: 172 ] قلنا : يحتمل أن يكون المراد كنتم تستعجلون بصريح القول كما في قوله تعالى حكاية عنهم : ( ربنا عجل لنا قطنا ) [ ص : 16 ] وقوله : ( فأتنا بما تعدنا ) [ الأعراف : 70 ] إلى غير ذلك يدل عليه ههنا قوله تعالى : ( يسألون أيان يوم الدين ) فإنه نوع استعجال ، ويحتمل أن يكون المراد الاستعجال بالفعل وهو فإنه يعجل العقوبة . الإصرار على العناد وإظهار الفساد