( سيهزم الجمع ويولون الدبر )
( سيهزم الجمع ويولون الدبر ) وهو أنهم ادعوا القوة العامة بحيث يغلب كل واحد منهم محمدا صلى الله عليه وسلم ، والله تعالى بين ضعفهم الظاهر الذي يعمهم جميعهم بقوله : ( ويولون الدبر ) وحينئذ يظهر سؤال وهو أنه قال : ( ويولون الدبر ) ولم يقل : يولون الأدبار . وقال في موضع آخر : ( يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون ) [ آل عمران : 111 ] وقال : ( ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار ) [ الأحزاب : 15 ] وقال في موضع آخر : ( فلا تولوهم الأدبار ) [ الأنفال : 15 ] فكيف تصحيح الإفراد وما الفرق بين المواضع ؟ نقول : أما التصحيح فظاهر ؛ لأن قول القائل : فعلوا كقوله فعل هذا وفعل ذاك وفعل الآخر . قالوا : واو الجمع تنوب مناب الواوات التي في العطف ، وقوله : ( يولون ) بمثابة يولي هذا الدبر ، ويولي ذاك ويولي الآخر أي : كل واحد يولي دبره ، وأما الفرق فنقول : اقتضاء أواخر الآيات حسن الإفراد ، فقوله : ( ويولون الدبر ) إفراده إشارة إلى أنهم في التولية كنفس واحدة ، فلا يتخلف أحد عن الجمع ، ولا يثبت أحد للزحف فهم كانوا في التولية كدبر واحد ، وأما في قوله : ( فلا تولوهم الأدبار ) أي : كل واحد يوجد به ينبغي أن يثبت ولا يولي دبره ، فليس المنهي هناك توليتهم بأجمعهم بل المنهي أن يولي واحد منهم دبره ، فكل أحد منهي عن تولية دبره ، فجعل كل واحد برأسه في الخطاب ثم جمع الفعل بقوله : ( فلا تولوهم ) ولا يتم إلا بقوله : ( الأدبار ) وكذلك في قوله : ( ولقد كانوا عاهدوا الله ) [ لأحزاب : 15 ] أي : كل واحد قال : أنا أثبت ولا أولي دبري ، وأما في قوله : ( ليولن الأدبار ) [ الحشر : 12 ] [ ص: 61 ] فإن المراد المنافقون الذين وعدوا اليهود وهم متفرقون بدليل قوله تعالى : ( تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ) [ الحشر : 14 ] ، وأما في هذا الموضع فهم كانوا يدا واحدة على من سواهم .