( ومن دونهما جنتان فبأي آلاء ربكما تكذبان مدهامتان فبأي آلاء ربكما تكذبان فيهما عينان نضاختان فبأي آلاء ربكما تكذبان ) .
ثم قال تعالى : ( ومن دونهما جنتان فبأي آلاء ربكما تكذبان مدهامتان فبأي آلاء ربكما تكذبان فيهما عينان نضاختان فبأي آلاء ربكما تكذبان ) لما ذكر الجزاء ذكر بعده مثله وهو جنتان أخريان ، وهذا كقوله تعالى : ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) [ يونس : 26 ] وفي قوله تعالى : ( دونهما ) وجهان : أحدهما : دونهما في الشرف ، وهو ما اختاره صاحب الكشاف وقال قوله : ( مدهامتان ) مع قوله في الأوليين : ( ذواتا أفنان ) وقوله في هذه : ( عينان نضاختان ) مع قوله في الأوليين : ( عينان تجريان ) لأن النضخ دون الجري ، وقوله في الأوليين : ( من كل فاكهة زوجان ) مع قوله في هاتين : ( فاكهة ونخل ورمان ) وقوله في الأوليين : ( فرش بطائنها من إستبرق ) حيث ترك ذكر الظهائر لعلوها ورفعتها وعدم إدراك العقول إياها مع قوله في هاتين : ( رفرف خضر ) [ الرحمن : 76 ] دليل عليه ، ولقائل أن يقول : هذا ضعيف لأن عطايا الله في الآخرة [ ص: 117 ] متتابعة لا يعطي شيئا بعد شيء إلا ويظن الظان أنه ذلك أو خير منه . ويمكن أن يجاب عنه تقريرا لما اختاره أن الجنتين اللتين دون الأوليين لذريتهم الذين ألحقهم الله بهم ولأتباعهم ، ولكنه إنما جعلهما لهم إنعاما عليهم ، أي هاتان الأخريان لكم أسكنوا فيهما من تريدون . الثاني : أن المراد دونهما في المكان كأنهم في جنتين ويطلعوا من فوق على جنتين أخريين دونهما ، ويدل عليه قوله تعالى ( الزمخشري غرف من فوقها غرف ) [ الزمر : 20 ] الآية . والغرف العالية عندها أفنان ، والغرف التي دونها أرضها مخضرة ، وعلى هذا ففي الآيات لطائف :
الأولى : قال في الأوليين : ( ذواتا أفنان ) وقال في هاتين : ( مدهامتان ) أي مخضرتان في غاية الخضرة ، وادهام الشيء أي اسواد لكن لا يستعمل في بعض الأشياء والأرض إذا اخضرت غاية الخضرة تضرب إلى أسود ، ويحتمل أن يقال : الأرض الخالية عن الزرع يقال لها : بياض ، وإذا كانت معمورة يقال لها : سواد أرض كما يقال : سواد البلد ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : والتحقيق فيه أن ابتداء الألوان هو البياض وانتهاءها هو السواد ، فإن الأبيض يقبل كل لون ، والأسود لا يقبل شيئا من الألوان ، ولهذا يطلق الكافر على الأسود ، ولا يطلق على لون آخر ، ولما كانت الخالية عن الزرع متصفة بالبياض والخالية بالسواد فهذا يدل على أنهما تحت الأوليين مكانا ، فهم إذا نظروا إلى ما فوقهم ، يرون الأفنان تظلهم ، وإذا نظروا إلى ما تحتهم يرون الأرض مخضرة ، وقوله تعالى : ( عليكم بالسواد الأعظم ومن كثر سواد قوم فهو منهم فيهما عينان نضاختان ) أي فائرتان ماؤهما متحرك إلى جهة فوق ، وأما العينان المتقدمتان فتجريان إلى صوب المؤمنين فكلاهما حركتهما إلى جهة مكان أهل الإيمان ، وأما قول صاحب الكشاف : النضخ دون الجري فغير لازم لجواز أن يكون الجري يسيرا والنضخ قويا كثيرا ، بل المراد أن النضخ فيه الحركة إلى جهة العلو ، والعينان في مكان المؤمنين ، فحركة الماء تكون إلى جهتهم ، فالعينان الأوليان في مكانهم فتكون حركة مائهما إلى صوب المؤمنين جريا .