(
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=10والسابقون السابقون nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=11أولئك المقربون )
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=10والسابقون السابقون nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=11أولئك المقربون ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : في إعرابه ثلاثة أوجه : أحدها : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=10والسابقون ) عطف على " أصحاب الميمنة " وعنده تم الكلام ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=10السابقون nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=11أولئك المقربون ) جملة واحدة ، والثاني : أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=10والسابقون السابقون ) جملة واحدة ، كما يقول القائل : أنت أنت . وكما قال الشاعر :
أنا أبو النجم وشعري شعري
وفيه وجهان : أحدهما : أن يكون لشهرة أمر المبتدأ بما هو عليه فلا حاجة إلى الخبر عنه ، وهو مراد الشاعر وهو المشهور عند النحاة . والثاني : للإشارة إلى أن في المبتدأ ما لا يحيط العلم به ولا يخبر عنه ولا يعرف منه إلا نفس المبتدأ ، وهو كما يقول القائل لغيره : أخبرني عن حال الملك . فيقول : لا أعرف من الملك إلا أنه
[ ص: 128 ] ملك . فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=10والسابقون السابقون ) أي لا يمكن الإخبار عنهم إلا بنفسهم ، فإن حالهم وما هم عليه فوق أن يحيط به علم البشر ، ( وههنا لطيفة ) : وهي أنه في أصحاب الميمنة قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=8ما أصحاب الميمنة ) بالاستفهام وإن كان للإعجاز ، لكن جعلهم مورد الاستفهام ، وههنا لم يقل : والسابقون ما السابقون ؛ لأن الاستفهام الذي للإعجاز يورد على مدعي العلم فيقال له : إن كنت تعلم فبين الكلام ، وأما إذا كان يعترف بالجهل فلا يقال له : كذبت ولا يقال : كيف كذا ، وما الجواب عن ذلك ، فكذلك في : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=10والسابقون ) ما جعلهم بحيث يدعون ، فيورد عليهم الاستفهام فيبين عجزهم ، بل بنى الأمر على أنهم معترفون في الابتداء بالعجز ، وعلى هذا فقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=10والسابقون السابقون ) كقول العالم لمن سأل عن مسألة معضلة وهو يعلم أنه لا يفهمها وإن كان أبانها غاية الإبانة أن الأمر فيها على ما هو عليه ولا يشتغل بالبيان . وثالثها : هو أن " السابقون " ثانيا تأكيد لقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=10والسابقون ) والوجه الأوسط هو الأعدل الأصح ، وعلى الوجه الأوسط قول آخر : وهو أن المراد منه أن
nindex.php?page=treesubj&link=30494_30415_30531السابقين إلى الخيرات في الدنيا هم السابقون إلى الجنة في العقبى .
المسألة الثانية : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=11أولئك المقربون ) يقتضي الحصر فينبغي أن لا يكون غيرهم مقربا ، وقد قال في حق الملائكة إنهم مقربون ، نقول : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=11أولئك المقربون ) من الأزواج الثلاثة ، فإن قيل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=8فأصحاب الميمنة ) ليسوا من المقربين ، نقول : للتقريب درجات (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=10والسابقون ) في غاية القرب ، ولا حد هناك ، ويحتمل وجها آخر ، وهو أن يقال : المراد السابقون مقربون من الجنات حال كون أصحاب اليمين متوجهين إلى طريق الجنة ؛ لأنه بمقدار ما يحاسب المؤمن حسابا يسيرا ويؤتى كتابه بيمينه ، يكون السابقون قد قربوا من المنزل ، أو قربهم إلى الله في الجنة ، وأصحاب اليمين بعد متوجهون إلى ما وصل إليه المقربون ، ثم إن السير والارتفاع لا ينقطع ، فإن السير في الله لا انقطاع له ، والارتفاع لا نهاية له ، فكلما تقرب أصحاب اليمين من درجة السابق ، يكون قد انتقل هو إلى موضع أعلى منه ، فأولئك هم المقربون في جنات النعيم ، في أعلى عليين حال وصول أصحاب اليمين إلى الحور العين .
المسألة الثالثة : بعد بيان أقسام الأزواج لم يعد إلى بيان حالهم على ترتيب ذكرهم ، بل بين حال السابقين مع أنه أخرهم ، وأخر ذكر أصحاب الشمال مع أنه قدمهم أولا في الذكر على السابقين ، نقول : قد بينا أن عند ذكر الواقعة قدم من ينفعه ذكر الأهوال ، وأخر من لا يختلف حاله بالخوف والرجاء ، وأما عند البيان فذكر السابق لفضيلته وفضيلة حاله .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=10وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=11أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ )
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=10وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=11أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : فِي إِعْرَابِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=10وَالسَّابِقُونَ ) عَطْفٌ عَلَى " أَصْحَابِ الْمَيْمَنَةِ " وَعِنْدَهُ تَمَّ الْكَلَامُ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=10السَّابِقُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=11أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) جُمْلَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَالثَّانِي : أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=10وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ) جُمْلَةٌ وَاحِدَةٌ ، كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ : أَنْتَ أَنْتَ . وَكَمَا قَالَ الشَّاعِرُ :
أَنَا أَبُو النَّجْمِ وَشِعْرِي شِعْرِي
وَفِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ لِشُهْرَةِ أَمْرِ الْمُبْتَدَأِ بِمَا هُوَ عَلَيْهِ فَلَا حَاجَةَ إِلَى الْخَبَرِ عَنْهُ ، وَهُوَ مُرَادُ الشَّاعِرِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ النُّحَاةِ . وَالثَّانِي : لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ فِي الْمُبْتَدَأِ مَا لَا يُحِيطُ الْعِلْمُ بِهِ وَلَا يُخْبَرُ عَنْهُ وَلَا يُعْرَفُ مِنْهُ إِلَّا نَفْسُ الْمُبْتَدَأِ ، وَهُوَ كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ لِغَيْرِهِ : أَخْبِرْنِي عَنْ حَالِ الْمَلِكِ . فَيَقُولُ : لَا أَعْرِفُ مِنَ الْمَلِكِ إِلَّا أَنَّهُ
[ ص: 128 ] مَلِكٌ . فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=10وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ) أَيْ لَا يُمْكِنُ الْإِخْبَارُ عَنْهُمْ إِلَّا بِنَفْسِهِمْ ، فَإِنَّ حَالَهُمْ وَمَا هُمْ عَلَيْهِ فَوْقَ أَنْ يُحِيطَ بِهِ عِلْمُ الْبَشَرِ ، ( وَهَهُنَا لَطِيفَةٌ ) : وَهِيَ أَنَّهُ فِي أَصْحَابِ الْمَيْمَنَةِ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=8مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ ) بِالِاسْتِفْهَامِ وَإِنْ كَانَ لِلْإِعْجَازِ ، لَكِنْ جَعْلَهُمْ مَوْرِدَ الِاسْتِفْهَامِ ، وَهَهُنَا لَمْ يَقُلْ : وَالسَّابِقُونَ مَا السَّابِقُونَ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِفْهَامَ الَّذِي لِلْإِعْجَازِ يُورَدُ عَلَى مُدَّعِي الْعِلْمَ فَيُقَالُ لَهُ : إِنْ كُنْتَ تَعَلَمُ فَبَيَّنَ الْكَلَامَ ، وَأَمَّا إِذَا كَانَ يَعْتَرِفُ بِالْجَهْلِ فَلَا يُقَالُ لَهُ : كَذَبْتَ وَلَا يُقَالُ : كَيْفَ كَذَا ، وَمَا الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ ، فَكَذَلِكَ فِي : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=10وَالسَّابِقُونَ ) مَا جَعَلَهُمْ بِحَيْثُ يَدَّعُونَ ، فَيُورَدُ عَلَيْهِمُ الِاسْتِفْهَامُ فَيُبَيِّنُ عَجْزَهُمْ ، بَلْ بَنَى الْأَمْرَ عَلَى أَنَّهُمْ مُعْتَرِفُونَ فِي الِابْتِدَاءِ بِالْعَجْزِ ، وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=10وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ) كَقَوْلِ الْعَالِمِ لِمَنْ سَأَلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ مُعْضِلَةٍ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَفْهَمُهَا وَإِنْ كَانَ أَبَانَهَا غَايَةَ الْإِبَانَةِ أَنَّ الْأَمْرَ فِيهَا عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ وَلَا يَشْتَغِلُ بِالْبَيَانِ . وَثَالِثُهَا : هُوَ أَنَّ " السَّابِقُونَ " ثَانِيًا تَأْكِيدٌ لِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=10وَالسَّابِقُونَ ) وَالْوَجْهُ الْأَوْسَطُ هُوَ الْأَعْدَلُ الْأَصَحُّ ، وَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوْسَطِ قَوْلٌ آخَرُ : وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30494_30415_30531السَّابِقِينَ إِلَى الْخَيْرَاتِ فِي الدُّنْيَا هُمُ السَّابِقُونَ إِلَى الْجَنَّةِ فِي الْعُقْبَى .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=11أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) يَقْتَضِي الْحَصْرَ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ غَيْرُهُمْ مُقَرَّبًا ، وَقَدْ قَالَ فِي حَقِّ الْمَلَائِكَةِ إِنَّهُمْ مُقَرَّبُونَ ، نَقُولُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=11أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) مِنَ الْأَزْوَاجِ الثَّلَاثَةِ ، فَإِنْ قِيلَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=8فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ ) لَيْسُوا مِنَ الْمُقَرَّبِينَ ، نَقُولُ : لِلتَّقْرِيبِ دَرَجَاتٌ (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=10وَالسَّابِقُونَ ) فِي غَايَةِ الْقُرْبِ ، وَلَا حَدَّ هُنَاكَ ، وَيَحْتَمِلُ وَجْهًا آخَرَ ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ : الْمُرَادُ السَّابِقُونَ مُقَرَّبُونَ مِنَ الْجَنَّاتِ حَالَ كَوْنِ أَصْحَابِ الْيَمِينِ مُتَوَجِّهِينَ إِلَى طَرِيقِ الْجَنَّةِ ؛ لِأَنَّهُ بِمِقْدَارِ مَا يُحَاسَبُ الْمُؤْمِنُ حِسَابًا يَسِيرًا وَيُؤْتَى كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ ، يَكُونُ السَّابِقُونَ قَدْ قَرُبُوا مِنَ الْمَنْزِلِ ، أَوْ قَرَّبَهُمْ إِلَى اللَّهِ فِي الْجَنَّةِ ، وَأَصَحَابُ الْيَمِينِ بَعْدُ مُتَوَجِّهُونَ إِلَى مَا وَصَلَ إِلَيْهِ الْمُقَرَّبُونَ ، ثُمَّ إِنَّ السَّيْرَ وَالِارْتِفَاعَ لَا يَنْقَطِعُ ، فَإِنَّ السَّيْرَ فِي اللَّهِ لَا انْقِطَاعَ لَهُ ، وَالِارْتِفَاعَ لَا نِهَايَةَ لَهُ ، فَكُلَّمَا تَقَرَّبَ أَصْحَابُ الْيَمِينِ مِنْ دَرَجَةِ السَّابِقِ ، يَكُونُ قَدِ انْتَقَلَ هُوَ إِلَى مَوْضِعٍ أَعْلَى مِنْهُ ، فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ، فِي أَعْلَى عِلِّيِّينَ حَالَ وُصُولِ أَصْحَابِ الْيَمِينِ إِلَى الْحُورِ الْعِينِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : بَعْدَ بَيَانِ أَقْسَامِ الْأَزْوَاجِ لَمْ يَعُدْ إِلَى بَيَانِ حَالِهِمْ عَلَى تَرْتِيبِ ذِكْرِهِمْ ، بَلْ بَيَّنَ حَالَ السَّابِقِينَ مَعَ أَنَّهُ أَخَّرَهُمْ ، وَأَخَّرَ ذِكْرَ أَصْحَابِ الشِّمَالِ مَعَ أَنَّهُ قَدَّمَهُمْ أَوَّلًا فِي الذِّكْرِ عَلَى السَّابِقِينَ ، نَقُولُ : قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ عِنْدَ ذِكْرِ الْوَاقِعَةِ قَدَّمَ مَنْ يَنْفَعُهُ ذِكْرُ الْأَهْوَالِ ، وَأَخَّرَ مَنْ لَا يَخْتَلِفُ حَالُهُ بِالْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ ، وَأَمَّا عِنْدَ الْبَيَانِ فَذَكَرَ السَّابِقَ لِفَضِيلَتِهِ وَفَضِيلَةِ حَالِهِ .