[ ص: 160 ] ( أفرأيتم الماء الذي تشربون أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون لو نشاء جعلناه أجاجا فلولا تشكرون ) .
ثم قال تعالى : ( أفرأيتم الماء الذي تشربون أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون لو نشاء جعلناه أجاجا فلولا تشكرون ) .
خصه بالذكر لأنه ألطف وأنظف ، أو تذكيرا لهم بالإنعام عليهم ، والمزن السحاب الثقيل بالماء لا بغيره من أنواع العذاب يدل على ثقله قلب اللفظ وعلى مدافعة الأمر وهو النزم في بعض اللغات السحاب الذي مس الأرض ، وقد تقدم تفسير الأجاج أنه الماء المر من شدة الملوحة ، والظاهر أنه هو الحار من أجيج النار كالحطام من الحطيم ، وقد ذكرناه في قوله تعالى : ( هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج ) [ الفرقان : 53 ] ذكر في الماء الطيب صفتين إحداهما عائدة إلى طعمه والأخرى عائدة إلى كيفية ملمسه وهي البرودة واللطافة ، وفي الماء الآخر أيضا صفتين إحداهما عائدة إلى طعمه والأخرى عائدة إلى كيفية ملمسه وهي الحرارة ، ثم قال تعالى : ( فلولا تشكرون ) لم يقل عند ذكر الطعام الشكر وذلك لوجهين :
أحدهما : أنه لم يذكر في المأكول أكلهم ، فلما لم يقل : تأكلون لم يقل : تشكرون وقال في الماء : ( تشربون ) فقال : ( تشكرون ) .
والثاني : أن في المأكول قال : ( تحرثون ) فأثبت لهم سعيا فلم يقل : تشكرون وقال في الماء : ( أنزلتموه من المزن ) لا عمل لكم فيه أصلا فهو محض النعمة فقال : ( فلولا تشكرون ) وفيه وجه ثالث : وهو الأحسن أن يقال : النعمة لا تتم إلا عند الأكل والشرب ألا ترى أن في البراري التي لا يوجد فيها الماء لا يأكل الإنسان شيئا مخافة العطش ، فلما ذكر المأكول أولا وأتمه بذكر المشروب ثانيا قال : ( فلولا تشكرون ) على هذه النعمة التامة .