( وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز  ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب    ) ثم قال تعالى : ( وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز    ) وفيه مسائل : 
المسألة الأولى : المعنى وليعلم الله من ينصره ، أي ينصر دينه وينصر رسله باستعمال السيوف والرماح وسائر السلاح في مجاهدة أعداء الدين بالغيب  ، أي غائبا عنهم . قال  ابن عباس    : ينصرونه ولا يبصرونه ، ويقرب منه قوله تعالى : ( إن تنصروا الله ينصركم    ) [ محمد : 7 ] . 
المسألة الثانية : احتج من قال بحدوث علم الله  بقوله : ( وليعلم الله    ) والجواب عنه أنه تعالى أراد بالعلم المعلوم ، فكأنه تعالى قال : ولتقع نصرة الرسول عليه الصلاة والسلام ممن ينصره . 
المسألة الثالثة : قال الجبائي    : قوله تعالى : ( ليقوم الناس بالقسط    ) فيه دلالة على أنه تعالى أنزل الميزان والحديد  ، ومراده من العباد أن يقوموا بالقسط وأن ينصروا الرسول ، وإذا كان هذا مراده من الكل فقد بطل قول المجبرة أنه أراد من بعضهم خلاف ذلك . 
( جوابه ) أنه كيف يمكن أن يريد من الكل ذلك مع علمه بأن ضده موجود ، وأن الجمع بين الضدين محال ، وأن المحال غير مراد . 
المسألة الرابعة : لما كانت النصرة قد تكون ظاهرة ، كما يقع من منافق أو ممن مراده المنافع في الدنيا ، بين تعالى أن الذي أراده النصرة بالغيب ، ومعناه أن تقع عن إخلاص بالقلب ، ثم بين تعالى أنه قوي على الأمور عزيز لا يمانع . 
قوله تعالى : ( ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب    ) واعلم أنه تعالى لما ذكر أنه أرسل الرسل بالبينات والمعجزات ، وأنه أنزل الميزان والحديد ، وأمر الخلق بأن يقوموا بنصرتهم -أتبع ذلك ببيان سائر الأشياء التي أنعم بها عليهم ، فبين أنه تعالى شرف نوحا  وإبراهيم  عليهما السلام بالرسالة  ، ثم جعل في ذريتهما النبوة والكتاب ، فما جاء بعدهما أحد بالنبوة إلا وكان من أولادهما ، وإنما قدم النبوة على الكتاب ؛ لأن كمال حال النبي أن يصير صاحب الكتاب والشرع . 
				
						
						
