المسألة الأولى : اختلفوا فيما يحرمه الظهار  ،  فللشافعي  قولان : 
أحدهما : أنه يحرم الجماع فقط . 
القول الثاني : وهو الأظهر أنه يحرم جميع جهات الاستمتاعات . وهو قول  أبي حنيفة    -رحمه الله -ودليله وجوه : 
الأول : قوله تعالى : ( فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا    ) فكان ذلك عاما في جميع ضروب المسيس ، من لمس بيد أو غيرها . 
والثاني : قوله تعالى : ( والذين يظاهرون من نسائهم    ) ألزمه حكم التحريم بسبب أنه شبهها بظهر الأم ، فكما أن مباشرة ظهر الأم ومسه يحرم عليه ، فوجب أن يكون الحال في المرأة كذلك . 
الثالث : روى عكرمة    " أن رجلا ظاهر من امرأته ، ثم واقعها قبل أن يكفر ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك فقال : اعتزلها حتى تكفر "   . 
المسألة الثانية : اختلفوا فيمن ظاهر مرارا ، فقال  الشافعي   وأبو حنيفة    : لكل ظهار كفارة إلا أن يكون في مجلس واحد ، وأراد بالتكرار التأكيد ، فإنه يكون عليه كفارة واحدة ، وقال مالك    : من ظاهر من امرأته في مجالس متفرقة مائة فليس عليه إلا كفارة واحدة  ، دليلنا أن قوله تعالى : ( والذين يظاهرون من نسائهم    ) ( فتحرير رقبة    ) يقتضي كون الظهار علة لإيجاب الكفارة ، فإذا وجد الظهار الثاني فقد وجدت علة وجوب الكفارة ، والظهار الثاني إما أن يكون علة للكفارة الأولى ، أو لكفارة ثانية ، والأول باطل ؛ لأن الكفارة وجبت بالظهار الأول ، وتكوين الكائن محال ، ولأن تأخر العلة عن الحكم محال ، فعلمنا أن الظهار الثاني يوجب كفارة ثانية ، واحتج مالك  بأن قوله : ( والذين يظاهرون    ) يتناول من ظاهر مرة واحدة ومن ظاهر مرارا كثيرة ، ثم إنه تعالى أوجب عليه تحرير رقبة ، فعلمنا أن التكفير الواحد كاف في الظهار ، سواء كان مرة واحدة أو مرارا كثيرة . 
والجواب : أنه تعالى قال : ( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين    ) [ المائدة : 89 ] فهذا يقتضي أن لا يجب في الأيمان الكثيرة إلا كفارة واحدة ، ولما كان باطلا ، فكذا ما قلتموه . 
المسألة الثالثة : رجل تحته أربعة نسوة ، فظاهر منهن بكلمة واحدة  وقال : أنتن علي كظهر أمي ،  للشافعي  قولان : أظهرهما أنه يلزمه أربع كفارات ؛ نظرا إلى عدد اللواتي ظاهر منهن ، ودليله ما ذكرنا أنه ظاهر عن هذه ، فلزمه كفارة بسبب هذا الظهار ، وظاهر أيضا عن تلك ، فالظهار الثاني لا بد وأن يوجب كفارة أخرى . 
المسألة الرابعة : الآية تدل على إيجاب الكفارة قبل المماسة ، فإن جامع قبل أن يكفر لم يجب عليه إلا كفارة واحدة ، وهو قول أكثر أهل العلم ، كمالك   وأبي حنيفة   والشافعي  وسفيان  وأحمد  وإسحاق  رحمهم الله . وقال بعضهم : إذا واقعها قبل أن يكفر فعليه كفارتان ، وهو قول  عبد الرحمن بن مهدي  ، دليلنا أن الآية دلت على أنه يجب على المظاهر كفارة قبل العود ، فههنا فاتت صفة القبلية ، فيبقى أصل وجوب الكفارة ، وليس في   [ ص: 226 ] الآية دلالة على أن ترك التقديم يوجب كفارة أخرى . 
المسألة الخامسة : الأظهر أنه لا ينبغي للمرأة أن تدعه يقربها حتى يكفر ، فإن تهاون بالتكفير حال الإمام بينه وبينها ، ويجبره على التكفير  ، وإن كان بالضرب حتى يوفيها حقها من الجماع . قال الفقهاء : ولا شيء من الكفارات يجبر عليه ويحبس إلا كفارة الظهار وحدها ؛ لأن ترك التكفير إضرار بالمرأة وامتناع من إيفاء حقها . 
المسألة السادسة : قال  أبو حنيفة  رحمه الله : هذه الرقبة تجزئ سواء كانت مؤمنة أو كافرة  ؛ لقوله تعالى : ( فتحرير رقبة    ) فهذا اللفظ يفيد العموم في جميع الرقاب ، وقال  الشافعي    : لا بد وأن تكون مؤمنة ، ودليله وجهان : 
الأول : أن المشرك نجس ؛ لقوله تعالى : ( إنما المشركون نجس    ) [ التوبة : 28 ] وكل نجس خبيث بإجماع الأمة ، وقال تعالى : ( ولا تيمموا الخبيث    ) [ البقرة : 267 ] . 
الثاني : أجمعنا على أن الرقبة في كفارة القتل مقيدة بالإيمان  ، فكذا ههنا ، والجامع أن الإعتاق إنعام ، فتقييده بالإيمان يقتضي صرف هذا الإنعام إلى أولياء الله وحرمان أعداء الله ، وعدم التقييد بالإيمان قد يفضي إلى حرمان أولياء الله ، فوجب أن يتقيد بالإيمان تحصيلا لهذه المصلحة . 
المسألة السابعة : إعتاق المكاتب  لا يجزئ عند  الشافعي  رحمه الله . وقال  أبو حنيفة  رحمه الله : إن أعتقه قبل أن يؤدي شيئا جاز عن الكفارة ، وإذا أعتقه بعد أن يؤدي شيئا فظاهر الرواية أنه لا يجزئ ، وروى الحسن  عن  أبي حنيفة  أنه يجزئ ، حجة  أبي حنيفة  أن المكاتب رقبة ؛ لقوله تعالى : ( وفي الرقاب    ) والرقبة مجزئة ؛ لقوله تعالى : ( فتحرير رقبة    ) حجة  الشافعي  أن المقتضي لبقاء التكاليف بإعتاق الرقبة قائم ، بعد إعتاق المكاتب ، وما لأجله ترك العمل به في محل الرقاب غير موجود ههنا ، فوجب أن يبقى على الأصل ، بيان المقتضي أن الأصل في الثابت البقاء على ما كان ، بيان الفارق أن المكاتب كالزائل عن ملك المولى وإن لم يزل عن ملكه ، لكنه يمكن نقصان في رقه ، بدليل أنه صار أحق بمكاسبه ، ويمتنع على المولى التصرفات فيه ، ولو أتلفه المولى يضمن قيمته ، ولو وطئ مكاتبته يغرم المهر ، ومن المعلوم أن إزالة الملك الخالص عن شوائب الضعف أشق على المالك من إزالة الملك الضعيف ، ولا يلزم من خروج الرجل عن العهدة بإعتاق العبد القن خروجه عن العهدة بإعتاق المكاتب . 
والوجه الثاني : أجمعنا على أنه لو أعتقه الوارث بعد موته لا يجزئ عن الكفارة ، فكذا إذا أعتقه المورث ، والجامع كون الملك ضعيفا . 
المسألة الثامنة : لو اشترى قريبه الذي يعتق عليه بنية الكفارة عتق عليه ، لكنه لا يقع عن الكفارة عند  الشافعي  ، وعند  أبي حنيفة  يقع ، حجة  أبي حنيفة  التمسك بظاهر الآية ، وحجة  الشافعي  ما تقدم . 
المسألة التاسعة : قال  أبو حنيفة    : الإطعام في الكفارات يتأدى بالتمكين من الطعام  ، وعند  الشافعي  لا يتأدى إلا بالتمليك من الفقير . حجة  أبي حنيفة  ظاهر القرآن وهو أن الواجب هو الإطعام ، وحقيقة الإطعام هو التمكين ؛ بدليل قوله تعالى : ( من أوسط ما تطعمون أهليكم    ) [ المائدة : 89 ] وذلك يتأدى بالتمكين والتمليك ، فكذا ههنا ، وحجة  الشافعي  القياس عن الزكاة وصدقة الفطر . 
المسألة العاشرة : قال  الشافعي    : لكل مسكين مد من طعام بلده الذي يقتات منه ، حنطة أو شعيرا أو أرزا أو تمرا أو أقطا ، وذلك بمد النبي -صلى الله عليه وسلم -ولا يعتبر مد حدث بعده ، وقال  أبو حنيفة    : يعطى كل مسكين نصف   [ ص: 227 ] صاع من بر أو دقيق أو سويق ، أو صاعا من تمر أو صاعا من شعير ، ولا يجزئه دون ذلك ، حجة  الشافعي  أن ظاهر الآية يقتضي الإطعام ، ومراتب الإطعام مختلفة بالكمية والكيفية ، فليس حمل اللفظ على البعض أولى من حمله على الباقي ، فلا بد من حمله على أقل ما لا بد منه ظاهرا ، وذلك هو المد ، حجة  أبي حنيفة  ما روي في حديث أوس بن الصامت    : ( لكل مسكين نصف صاع من بر   ) وعن علي   وعائشة  قالا : لكل مسكين مدان من بر ؛ ولأن المعتبر حاجة اليوم لكل مسكين ، فيكون نظير صدقة الفطر ، ولا يتأدى ذلك بالمد ، بل بما قلنا ، فكذلك هنا . 
المسألة الحادية عشرة : لو أطعم مسكينا واحدا ستين مرة  لا يجزئ عند  الشافعي  ، وعند  أبي حنيفة  يجزئ ، حجة  الشافعي  ظاهر الآية ، وهو أنه أوجب إطعام ستين مسكينا ، فوجب رعاية ظاهر الآية ، وحجة  أبي حنيفة  أن المقصود دفع الحاجة وهو حاصل ،  وللشافعي  أن يقول : التحكمات غالبة على هذه التقديرات ، فوجب الامتناع فيها من القياس ، وأيضا فلعل إدخال السرور في قلب ستين إنسانا أقرب إلى رضا الله تعالى من إدخال السرور في قلب الإنسان الواحد . 
المسألة الثانية عشرة : قال أصحاب  الشافعي    : إنه تعالى قال في الرقبة : ( فمن لم يجد فصيام شهرين    ) وقال في الصوم : ( فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا    ) فذكر في الأول : ( فمن لم يجد    ) وفي الثاني : ( فمن لم يستطع    ) فقالوا : من ماله غائب لم ينتقل إلى الصوم بسبب عجزه عن الإعتاق في الحال  ، أما من كان مريضا في الحال ، فإنه ينتقل إلى الإطعام ، وإن كان مرضه بحيث يرجى زواله ; قالوا : والفرق أنه قال في الانتقال إلى الإطعام : ( فمن لم يستطع    ) وهو بسبب المرض الناجز والعجز العاجل غير مستطيع ، وقال في الرقبة : ( فمن لم يجد    ) والمراد فمن لم يجد رقبة أو مالا يشتري به رقبة ، ومن ماله غائب لا يسمى فاقدا للمال ، وأيضا يمكن أن يقال في الفرق : إحضار المال يتعلق باختياره ، وأما إزالة المرض فليس باختياره . 
المسألة الثالثة عشرة : قال بعض أصحابنا : الشبق المفرط والغلمة الهائجة عذر في الانتقال إلى الإطعام ، والدليل عليه أنه عليه السلام " لما أمر الأعرابي بالصوم قال له : وهل أتيت إلا من قبل الصوم ؟ فقال -عليه السلام - : أطعم " دل الحديث على أن الشبق الشديد عذر في الانتقال من الصوم إلى الإطعام ، وأيضا الاستطاعة فوق الوسع ، والوسع فوق الطاقة ، فالاستطاعة هو أن يتمكن الإنسان من الفعل على سبيل السهولة ، ومعلوم أن هذا المعنى لا يتم مع شدة الشبق ، فهذه جملة مختصرة مما يتعلق بفقه القرآن في هذه الآية ، والله أعلم . 
				
						
						
