( اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا يعملون ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون )
ثم قال تعالى : ( اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا يعملون ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون )
قوله : ( اتخذوا أيمانهم جنة ) أي سترا ليستتروا به عما خافوا على أنفسهم من القتل . قال في الكشاف : " اتخذوا أيمانهم جنة " يجوز أن يراد أن قولهم : ( نشهد إنك لرسول الله ) يمين من أيمانهم الكاذبة ، لأن الشهادة تجري مجرى الحلف في التأكيد ، يقول الرجل : أشهد وأشهد بالله ، وأعزم وأعزم بالله في موضع أقسم وأولي . وبه استشهد على أن أشهد يمين ، ويجوز أن يكون وصفا للمنافقين في استخفافهم بالأيمان ، فإن قيل : لم قالوا نشهد ، ولم يقولوا : نشهد بالله كما قلتم ؟ أجاب بعضهم عن هذا بأنه في معنى الحلف من المؤمن وهو في المتعارف إنما يكون بالله ، فلذلك أخبر بقوله : نشهد عن قوله بالله . أبو حنيفة
وقوله تعالى : ( فصدوا عن سبيل الله ) أي أعرضوا بأنفسهم عن طاعة الله تعالى ، وطاعة رسوله ، وقيل : صدوا ، أي صرفوا ومنعوا الضعفة عن اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ساء ) أي بئس ( ما كانوا يعملون ) حيث . آثروا الكفر على الإيمان وأظهروا خلاف ما أضمروا مشاكلة للمسلمين
وقوله تعالى : ( ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا ) ذلك إشارة إلى قوله : ( ساء ما كانوا يعملون ) قال مقاتل : ذلك الكذب بأنهم آمنوا في الظاهر ، ثم كفروا في السر ، وفيه تأكيد لقوله : ( والله يشهد إنهم لكاذبون ) [ التوبة : 107 ] وقوله : ( فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون ) لا يتدبرون ، ولا يستدلون بالدلائل الظاهرة . قال : ختم على قلوبهم ، وقال ابن عباس مقاتل : طبع على قلوبهم بالكفر فهم لا يفقهون القرآن ، وصدق محمد صلى الله عليه وسلم ، وقيل : إنهم كانوا يظنون أنهم على الحق ، فأخبر تعالى أنهم لا يفقهون أنه طبع على قلوبهم ، ثم في الآية مباحث :
البحث الأول : أنه تعالى ذكر أفعال الكفرة من قبل ، ولم يقل : إنهم ساء ما كانوا يعملون ، فلم قال هنا ؟ نقول : إن أفعالهم مقرونة بالأيمان الكاذبة التي جعلوها جنة ، أي سترة لأموالهم ودمائهم عن أن يستبيحها المسلمون كما مر .
الثاني : المنافقون لم يكونوا إلا على الكفر الثابت الدائم ، فما معنى قوله تعالى : ( آمنوا ثم كفروا ) ؟ [ ص: 14 ] نقول : قال في الكشاف : ثلاثة أوجه :
أحدها : ( آمنوا ) نطقوا بكلمة الشهادة ، وفعلوا كما يفعل من يدخل في الإسلام ( ثم كفروا ) ثم ظهر كفرهم بعد ذلك .
وثانيها : ( آمنوا ) نطقوا بالإيمان عند المؤمنين ( ثم كفروا ) نطقوا بالكفر عند شياطينهم استهزاء بالإسلام كقوله تعالى : ( وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا ) [ البقرة : 14 ] .
وثالثها : أن يراد أهل الذمة منهم .
الثالث : ، ولما طبع الله على قلوبهم لا يمكنهم أن يتدبروا ويستدلوا بالدلائل ، ولو كان كذلك لكان هذا حجة لهم على الله تعالى ، فيقولون : إعراضنا عن الحق لغفلتنا ، وغفلتنا بسبب أنه تعالى طبع على قلوبنا ، فنقول : هذا الطبع من الله تعالى لسوء أفعالهم ، وقصدهم الإعراض عن الحق ، فكأنه تعالى تركهم في أنفسهم الجاهلية وأهوائهم الباطلة . الطبع على القلوب لا يكون إلا من الله تعالى