( فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا والله بما تعملون خبير يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار خالدين فيها وبئس المصير )
( فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا والله بما تعملون خبير يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار خالدين فيها وبئس المصير )
قوله : ( فآمنوا ) يجوز أن يكون صلة لما تقدم لأنه تعالى لما ذكر ما نزل من العقوبة بالأمم الماضية ، وذلك لكفرهم بالله وتكذيب الرسل قال : ( فآمنوا ) أنتم ( بالله ورسوله ) لئلا ينزل بكم ما نزل بهم من العقوبة ( والنور الذي أنزلنا ) وهو القرآن فإنه يهتدى به في الشبهات كما يهتدى بالنور في الظلمات ، وإنما ذكر النور الذي هو القرآن لما أنه مشتمل على الدلالات الظاهرة على البعث ، ثم ذكر في الكشاف أنه عنى برسوله [ ص: 23 ] والنور محمدا صلى الله عليه وسلم والقرآن ( والله بما تعملون خبير ) أي بما تسرون وما تعلنون فراقبوه وخافوه في الحالين جميعا وقوله تعالى : ( يوم يجمعكم ليوم الجمع ) يريد به يوم القيامة جمع فيه أهل السماوات وأهل الأرض ، و ( ذلك يوم التغابن ) والتغابن تفاعل من الغبن في المجازاة والتجارات ، يقال : غبنه يغبنه غبنا إذا أخذ الشيء منه بدون قيمته ، قال رضي الله عنهما : إن قوما في النار يعذبون وقوما في الجنة يتنعمون ، وقيل : هو يوم يغبن فيه أهل الحق ، أهل الباطل ، وأهل الهدى أهل الضلالة ، وأهل الإيمان أهل الكفر ، فلا غبن أبين من هذا ، وفي الجملة فالغبن في البيع والشراء وقد ذكر تعالى في حق الكافرين أنهم اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة واشتروا الضلالة بالهدى ، ثم ذكر أنهم ما ربحت تجارتهم ودل المؤمنين على تجارة رابحة ، فقال : ( ابن عباس هل أدلكم على تجارة ) [ الصف : 10 ] الآية ، وذكر أنهم باعوا أنفسهم بالجنة فخسرت صفقة الكفار وربحت صفقة المؤمنين ، وقوله تعالى : ( ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا ) يؤمن بالله على ما جاءت به الرسل من الحشر والنشر والجنة والنار وغير ذلك ، ويعمل صالحا أي يعمل في إيمانه صالحا إلى أن يموت ، قرئ يجمعكم ويكفر ويدخل بالياء والنون ، وقوله : ( والذين كفروا ) أي بوحدانية الله تعالى وبقدرته ( وكذبوا بآياتنا ) أي بآياته الدالة على البعث ( أولئك أصحاب النار خالدين فيها وبئس المصير ) ثم في الآية مباحث :
الأول : قال : ( فآمنوا بالله ورسوله ) بطريق الإضافة ، ولم يقل ونوره الذي أنزلنا بطريق الإضافة مع أن النور ههنا هو القرآن والقرآن كلامه ومضاف إليه ؟ نقول : الألف واللام في النور بمعنى الإضافة كأنه قال : ورسوله ونوره الذي أنزلنا .
الثاني : بم انتصب الظرف ؟ نقول : قال الزجاج : بقوله : " لتبعثن " وفي الكشاف بقوله : " لتنبؤن " أو بخبير لما فيه من معنى الوعيد . كأنه قيل : والله معاقبكم يوم يجمعكم أو بإضمار اذكر .
الثالث : قال تعالى في الإيمان : ( ومن يؤمن بالله ) بلفظ المستقبل ، وفي الكفر وقال : ( والذين كفروا ) بلفظ الماضي ، فنقول : تقدير الكلام : ومن لم يؤمن منهم فأولئك أصحاب النار . ومن يؤمن بالله من الذين كفروا وكذبوا بآياتنا يدخله جنات
الرابع : قال تعالى : ( ومن يؤمن ) بلفظ الواحد و ( خالدين فيها ) بلفظ الجمع ، نقول : ذلك بحسب اللفظ ، وهذا بحسب المعنى .
الخامس : ما الحكمة في قوله : ( وبئس المصير ) بعد قوله : ( خالدين فيها ) وذلك بئس المصير فنقول : ذلك وإن كان في معناه فلا يدل عليه بطريق التصريح فالتصريح مما يؤكده .