( يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون )
ثم قال تعالى : ( ياأيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ) قال [ ص: 25 ] الكلبي : كان الرجل إذا أراد الهجرة تعلق به بنوه وزوجته ، فقالوا : أنت تذهب وتذرنا ضائعين فمنهم من يطيع أهله ويقيم فحذرهم الله طاعة نسائهم وأولادهم ، ومنهم من لا يطيع ويقول : أما والله لو لم نهاجر ويجمع الله بيننا وبينكم في دار الهجرة لا ننفعكم شيئا أبدا ، فلما جمع الله بينهم أمرهم أن ينفقوا ويحسنوا ويتفضلوا ، وقال مسلم الخراساني : نزلت في كان أهله وولده يثبطونه عن الهجرة والجهاد ، وسئل عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنهما عن هذه الآية ، فقال : هؤلاء رجال من ابن عباس أهل مكة أسلموا وأرادوا أن يأتوا المدينة فلم يدعهم أزواجهم وأولادهم فهو قوله : ( عدوا لكم فاحذروهم ) أن تطيعوا وتدعوا الهجرة ، وقوله تعالى : ( وإن تعفوا وتصفحوا ) قال هو أن الرجل من هؤلاء إذا هاجر ورأى الناس قد سبقوا بالهجرة وفقهوا في الدين هم أن يعاقب زوجته وولده الذين منعوه الهجرة . وإن لحقوا به في دار الهجرة لم ينفق عليهم ، ولم يصبهم بخير فنزل : ( وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا ) الآية ، يعني أن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم ، ينهون عن الإسلام ويثبطون عنه وهم من الكفار فاحذروهم ، فظهر أن هذه العداوة إنما هي للكفر والنهي عن الإيمان ، ولا تكون بين المؤمنين فأزواجهم وأولادهم المؤمنون لا يكونون عدوا لهم ، وفي هؤلاء الأزواج والأولاد الذين منعوا عن الهجرة نزل : ( أنما أموالكم وأولادكم فتنة ) قال رضي الله عنهما : لا تطيعوهم في معصية الله تعالى ( فتنة ) أي بلاء وشغل عن الآخرة ، وقيل : أعلم الله تعالى أن الأموال والأولاد من جميع ما يقع بهم في الفتنة وهذا عام يعم جميع الأولاد ، فإن ابن عباس وباشر الفعل الحرام لأجله ، كغصب مال الغير وغيره : ( الإنسان مفتون بولده لأنه ربما عصى الله تعالى بسببه والله عنده أجر عظيم ) أي جزيل ، وهو الجنة أخبر أن عنده أجرا عظيما ليتحملوا المؤونة العظيمة ، والمعنى لا تباشروا المعاصي بسبب الأولاد ولا تؤثروهم على ما عند الله من الأجر العظيم . وقوله تعالى : ( فاتقوا الله ما استطعتم ) قال مقاتل : أي ما أطقتم ، قال يجتهد المؤمن في تقوى الله ما استطاع قتادة : نسخت هذه الآية قوله تعالى : ( اتقوا الله حق تقاته ) [ آل عمران : 102 ] ومنهم من طعن فيه وقال : لا يصح لأن قوله تعالى : ( اتقوا الله حق تقاته ) لا يراد به الاتقاء فيما لا يستطيعون لأنه فوق الطاقة والاستطاعة ، وقوله : ( واسمعوا ) أي لله ولرسوله ولكتابه وقيل : لما أمركم الله ورسوله به ( وأطيعوا ) الله فيما يأمركم ( وأنفقوا ) من أموالكم في حق الله خيرا لأنفسكم ، والنصب بقوله : ( وأنفقوا ) كأنه قيل : وقدموا خيرا لأنفسكم ، وهو كقوله : ( فآمنوا خيرا لكم ) وقوله تعالى : ( ومن يوق شح نفسه ) الشح هو البخل ، وإنه يعم المال وغيره ، يقال : فلان شحيح بالمال وشحيح بالجاه وشحيح بالمعروف ، وقيل : يوق ظلم نفسه فالشح هو الظلم ، فإن قيل : إنما أموالكم وأولادكم فتنة ، يدل على أن الأموال والأولاد كلها من الأعداء و ( ومن كان بمعزل عن الشح فذلك من أهل الفلاح إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم ) يدل على أن بعضهم من الأعداء دون البعض ، فنقول : هذا في حيز المنع فإنه لا يلزم أن يكون البعض من المجموع الذي مر ذكره من الأولاد يعني من الأولاد من يمنع ومنهم من لا يمنع ، فيكون البعض منهم عدوا دون البعض .