[ ص: 37 ] ( سورة التحريم )
اثنتا عشرة آية مدنية
بسم الله الرحمن الرحيم
( ياأيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك والله غفور رحيم )
بسم الله الرحمن الرحيم
( ياأيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك والله غفور رحيم )
أما التعلق بما قبلها ، فذلك لاشتراكهما في الأحكام المخصوصة بالنساء ، واشتراك الخطاب بالطلاق في أول تلك السورة مع الخطاب بالتحريم في أول هذه السورة لما كان الطلاق - في الأكثر من الصور أو في الكل كما هو مذهب البعض - مشتملا على تحريم ما أحل الله ، وأما الأول بالآخر ، فلأن المذكور في آخر تلك السورة يدل على عظمة حضرة الله تعالى ، كما أنه يدل على كمال قدرته وكمال علمه ، لما كان خلق السماوات والأرض وما فيهما من الغرائب والعجائب مفتقرا إليهما وعظمة الحضرة مما ينافي القدرة على تحريم ما أحل الله ، ولهذا قال تعالى : ( لم تحرم ما أحل الله لك ) واختلفوا في ، قال في "الكشاف" : روي الذي حرمه النبي صلى الله عليه وسلم على نفسه بمارية في يوم وعلمت بذلك عائشة حفصة ، فقال لها : اكتمي علي وقد حرمت مارية على نفسي وأبشرك أن أبا بكر وعمر يملكان بعدي أمر أمتي ، فأخبرت به ، وكانتا متصادقتين عائشة ، وقيل : خلا بها في يوم أنه عليه الصلاة والسلام خلا حفصة ، فأرضاها بذلك واستكتمها ، فلم تكتم فطلقها واعتزل نساءه ، ومكث تسعا وعشرين ليلة في بيت مارية ، وروي عمر قال لها : لو كان في آل الخطاب خير لما طلقك ، فنزل جبريل عليه السلام ، وقال : راجعها فإنها صوامة قوامة وإنها من نسائك في الجنة ، وروي أنه ما طلقها وإنما نوه بطلاقها ، وروي أن فتواطأت زينب بنت جحش عائشة وحفصة ، فقالتا له : إنا نشم منك ريح المغافير ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره التفل فحرم العسل ، فمعناه : لم تحرم ما أحل الله لك من ملك اليمين أو من العسل ، والأول قول أنه عليه الصلاة والسلام شرب عسلا في بيت الحسن ومجاهد وقتادة والشعبي ومسروق ورواية ثابت عن أنس قال مسروق : حرم النبي صلى الله عليه وسلم أم ولده وحلف أن لا يقربها فأنزل الله تعالى هذه الآية فقيل له : أما الحرام فحلال ، وأما اليمين التي حلفت عليها ، فقد فرض الله لكم تحلة أيمانكم . وقال [ ص: 38 ] : كان مع الحرام يمين فعوتب في الحرام ، وإنما يكفر اليمين ، فذلك قوله تعالى : ( الشعبي قد فرض الله ) الآية .
قال صاحب "النظم" : قوله : ( لم تحرم ) استفهام بمعنى الإنكار والإنكار من الله تعالى نهي ، وتحريم الحلال مكروه ، والحلال لا يحرم إلا بتحريم الله تعالى ، وقوله تعالى : ( تبتغي مرضاة أزواجك ) و ( تبتغي ) حال خرجت مخرج المضارع والمعنى : لم تحرم مبتغيا مرضات أزواجك ، قال في "الكشاف" : ( تبتغي ) ، إما تفسير لـ ( تحرم ) ، أو حال أو استئناف ، وهذا زلة منه ؛ لأنه ليس لأحد أن يحرم ما أحل الله ( والله غفور رحيم ) قد غفر لك ما تقدم من الزلة ، ( رحيم ) قد رحمك لم يؤاخذك به ، ثم في الآية مباحث :
البحث الأول : ( لم تحرم ما أحل الله لك ) يوهم أن هذا الخطاب بطريق العتاب وخطاب الوصف ، وهو النبي ينافي ذلك لما فيه من التشريف والتعظيم ، فكيف هو ؟ نقول : الظاهر أن هذا الخطاب ليس بطريق العتاب بل بطريق التنبيه على أن ما صدر منه لم يكن كما ينبغي .
البحث الثاني : تحريم ما أحل الله تعالى غير ممكن ، لما أن الإحلال ترجيح جانب الحل والتحريم ترجيح جانب الحرمة ، ولا مجال للاجتماع بين الترجيحين فكيف يقال : ( لم تحرم ما أحل الله ) ؟ نقول : المراد من هذا التحريم هو الامتناع عن الانتفاع بالأزواج لا اعتقاد كونه حراما بعدما أحل الله تعالى ، فالنبي صلى الله عليه وسلم امتنع عن الانتفاع معها مع اعتقاده بكونه حلالا ، ومن اعتقد أن هذا التحريم هو تحريم ما أحله الله تعالى بعينه فقد كفر ، فكيف يضاف إلى الرسول صلى الله عليه وسلم مثل هذا ؟
البحث الثالث : إذا قيل : ما ؟ نقول : اختلفت الأئمة فيه حكم تحريم الحلال يراه يمينا في كل شيء ، ويعتبر الانتفاع المقصود فيما يحرمه فإذا حرم طعاما فقد حلف على أكله أو أمة فعلى وطئها أو زوجة فعلى الإيلاء منها إذا لم يكن له نية ، وإن نوى الظهار فظهار ، وإن نوى الطلاق فطلاق بائن ، وكذلك إن نوى اثنتين ، وإن نوى ثلاثا فكما نوى ، فإن قال : نويت الكذب دين فيما بينه وبين ربه ولا يدين في القضاء بإبطال الإيلاء ، وإن قال : كل حلال عليه حرام فعلى الطعام والشراب إذا لم ينو وإلا فعلى ما نوى ولا يراه فأبو حنيفة يمينا ، ولكن سببا ( في الكفارة ) في النساء وحدهن ، وإن نوى الطلاق فهو رجعي عنده ، وأما اختلاف الصحابة فيه فكما هو في "الكشاف" ، فلا حاجة بنا إلى ذكر ذلك . الشافعي