( سأرهقه صعودا إنه فكر وقدر فقتل كيف قدر ثم قتل كيف قدر ثم نظر )
قوله تعالى : ( سأرهقه صعودا ) أي سأكلفه صعودا ، وفي الصعود قولان :
الأول : أنه مثل لما يلقى من العذاب الشاق الصعب الذي لا يطاق مثل قوله : ( يسلكه عذابا صعدا ) [ الجن : 17] وصعود من قولهم : عقبة صعود وكدود شاقة المصعد .
والثاني : أن صعودا اسم لعقبة في النار كلما وضع يده عليها ذابت فإذا رفعها عادت وإذا وضع رجله ذابت وإذا رفعها عادت ، وعنه عليه الصلاة والسلام : " يصعد فيه سبعين خريفا ثم يهوي كذلك فيه أبدا الصعود جبل من نار " .
ثم إنه تعالى حكى فقال : ( كيفية عناده إنه فكر وقدر )
يقال : فكر في الأمر وتفكر إذا نظر فيه وتدبر ، ثم لما تفكر رتب في قلبه كلاما وهيأه ، وهو المراد من قوله : ( وقدر ) . [ ص: 177 ] ثم قال تعالى : ( فقتل كيف قدر ) وهذا إنما يذكر عند التعجب والاستعظام ، ومثله قولهم : قتله الله ما أشجعه ، وأخزاه الله ما أشعره ، ومعناه أنه قد بلغ المبلغ الذي هو حقيق بأن يحسد ويدعو عليه حاسده بذلك ، وإذا عرفت ذلك فنقول : إنه يحتمل ههنا وجهين :
أحدهما : أنه تعجيب من قوة خاطره ، يعني أنه لا يمكن القدح في أمر محمد عليه السلام بشبهة أعظم ولا أقوى مما ذكره هذا القائل .
والثاني : الثناء عليه على طريقة الاستهزاء ، يعني أن هذا الذي ذكره في غاية الركاكة والسقوط .
ثم قال : ( ثم قتل كيف قدر ) والمقصود من كلمة " ثم " ههنا الدلالة على أن الدعاء عليه في الكرة الثانية أبلغ من الأولى .
ثم قال : ( ثم نظر ) والمعنى أنه أولا فكر ، وثانيا قدر ، وثالثا نظر في ذلك المقدر ، فالنظر السابق للاستخراج ، والنظر اللاحق للتقدير ، وهذا هو الاحتياط . فهذه المراتب الثلاثة متعلقة بأحوال قلبه .