( والصبح إذا أسفر إنها لإحدى الكبر نذيرا للبشر لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر )
قوله تعالى : ( والصبح إذا أسفر ) أي أضاء ، وفي الحديث : " " ومنه قوله : ( أسفروا بالفجر وجوه يومئذ مسفرة ) [ عبس : 38] أي مضيئة .
ثم قال تعالى : ( إنها لإحدى الكبر ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : هذا الكلام هو جواب القسم أو تعليل لكلام ، والقسم معترض للتوكيد .
المسألة الثانية : قال الواحدي : ألف إحدى مقطوع ولا تذهب في الوصل . وروي عن ابن كثير أنه قرأ إنها " لحدى الكبر " بحذف الهمزة كما يقال : ويلمه ، وليس هذا الحذف بقياس ، والقياس التخفيف ، وهو أن يجعل بين بين .
المسألة الثالثة : قال صاحب " الكشاف " : الكبر جمع الكبرى ، جعلت ألف التأنيث كتاء التأنيث ، فكما جمعت فعلة على فعل جمعت فعلى عليها ، ونظير ذلك السوافي جمع السافياء وهو التراب الذي سفته الريح ، والقواصع في جمع القاصعاء كأنهما جمع فاعلة .
المسألة الرابعة : ( إنها لإحدى الكبر ) يعني أن سقر التي جرى ذكرها لإحدى الكبر ، ، وهي سبعة : جهنم ، ولظى ، والحطمة ، والسعير ، وسقر ، والجحيم ، والهاوية ، أعاذنا الله منها . والمراد من الكبر دركات جهنم
قوله تعالى : ( نذيرا للبشر ) " نذيرا " تمييز من " إحدى " على معنى أنها لإحدى الدواهي إنذارا كما تقول : هي إحدى النساء عفافا ، وقيل : هو حال ، وفي قراءة أبي " نذير " بالرفع خبر ، أو بحذف المبتدأ .
ثم قال تعالى : ( لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر ) وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : في تفسير الآية وجهان :
الأول : ( أن يتقدم ) في موضع الرفع بالابتداء ، و ( لمن شاء ) خبر مقدم عليه كقولك لمن توضأ أن يصلي ، ومعناه التقدم والتأخر مطلقان لمن شاءهما منكم ، والمراد بالتقدم والتأخر السبق إلى الخير والتخلف عنه ، وهو في معنى قوله : ( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) [ الكهف : 29] .
الثاني : ( لمن شاء ) بدل من قوله ( للبشر ) ، والتقدير : إنها نذير لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر ، نظيره ( ولله على الناس حج البيت من استطاع ) [آل عمران : 97] .
المسألة الثانية : المعتزلة احتجوا بهذه الآية على كون العبد متمكنا من الفعل غير مجبور عليه . وجوابه : أن هذه الآية دلت على أن ، لكن فعل العبد معلق على مشيئته لقوله : [ ص: 185 ] ( مشيئة العبد معلقة على مشيئة الله تعالى وما تشاءون إلا أن يشاء الله ) [ الإنسان : 30] وحينئذ تصير هذه الآية حجة لنا عليهم ، وذكر الأصحاب عن وجه الاستدلال بهذه الآية جوابين آخرين :
الأول : أن معنى إضافة المشيئة إلى المخاطبين التهديد ، كقوله : ( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) .
الثاني : أن هذه المشيئة لله تعالى على معنى لمن شاء الله منكم أن يتقدم أو يتأخر .