ثم قال تعالى : ( وما أدراك ما العقبة ) فلا بد من تقدير محذوف ، لأن العقبة لا تكون فك رقبة ، فالمراد وما أدراك ما اقتحام العقبة ، وهذا تعظيم لأمر التزام الدين .
ثم قال تعالى : ( فك رقبة ) والمعنى أن اقتحام العقبة هو الفك أو الإطعام ، وفيه مسائل :
المسألة الأولى : الفك فرق يزيل المنع كفك القيد والغل ، وفك الرقبة فرق بينها وبين صفة الرق بإيجاب الحرية وإبطال العبودية ، ومنه فك الرهن وهو إزالة غلق الرهن ، وكل شيء أطلقته فقد فككته ، ومنه فك الكتاب ، قال الفراء : في المصادر فكها يفكها فكاكا بفتح الفاء في المصدر ولا تقل بكسرها ، ويقال : كانت عادة العرب في الأسارى شد رقابهم وأيديهم فجرى ذلك فيهم وإن لم يشدد ، ثم سمي إطلاق الأسير فكاكا ، قال الأخطل :
أبني كليب إن عمي اللذا قتلا الملوك وفككا الأغلال
المسألة الثانية : فك الرقبة قد يكون بأن يعتق الرجل رقبة من الرق ، وقد يكون بأن يعطي مكاتبا ما يصرفه إلى جهة فكاك نفسه ، روى ، قال : " البراء بن عازب قال : يا رسول الله أوليسا واحدا ؟ قال : لا ، عتق النسمة أن تنفرد بعتقها ، وفك الرقبة أن تعين في ثمنها عتق النسمة وفك الرقبة " وفيه وجه آخر وهو أن يكون المراد أن يفك المرء رقبة نفسه بما يتكلفه من العبادة التي يصير بها إلى الجنة فهي الحرية الكبرى ، ويتخلص بها من النار . جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله دلني على عمل يدخلني الجنة ، قال :
المسألة الثالثة : قرئ : ( فك رقبة أو إطعام ) ، والتقدير هي فك رقبة أو إطعام وقرئ : ( فك رقبة أو أطعم ) على الإبدال من " اقتحم العقبة " ، وقوله : ( وما أدراك ما العقبة ) اعتراض ، قال الفراء : وهو أشبه الوجهين بصحيح العربية لقوله : ( ثم كان ) لأن فك وأطعم فعل ، وقوله : " كان " فعل ، وينبغي أن يكون الذي يعطف عليه الفعل فعلا ، أما لو قيل : ثم إن كان ذلك مناسبا لقوله : ( فك رقبة ) بالرفع لأنه يكون عطفا للاسم على الاسم .
المسألة الرابعة : عند العتق أبي حنيفة ، وعند صاحبيه الصدقة أفضل ، والآية أدل على قول أفضل أنواع الصدقات : لتقدم العتق على الصدقة فيها . أبي حنيفة