أما قوله تعالى : ( قل ياأيها الكافرون    ) ففيه مسائل : 
المسألة الأولى : ( يا أيها ) ، قد تقدم القول فيها في مواضع ، والذي نزيده ههنا أنه روي عن علي  عليه السلام أنه قال : " يا " نداء النفس و " أي " نداء القلب ، " وها " نداء الروح ، وقيل : " يا " نداء الغائب " وأي " للحاضر ، " وها " للتنبيه ، كأنه يقول : أدعوك ثلاثا ولا تجيبني مرة ما هذا إلا لجهلك الخفي ، ومنهم من قال : إنه تعالى جمع بين " يا " الذي هو للبعيد ، " وأي " الذي هو للقريب ، كأنه تعالى يقول : معاملتك معي وفرارك عني يوجب   [ ص: 134 ] البعد البعيد ، لكن إحساني إليك ، ووصول نعمتي إليك توجب القرب القريب : ( ونحن أقرب إليه من حبل الوريد    ) [ ق : 16 ] وإنما قدم ( يا ) الذي يوجب البعد على ( أي ) الذي يوجب القرب ، كأنه يقول : التقصير منك والتوفيق مني ، ثم ذكرها بعد ذلك ؛ لأن ( يا ) يوجب البعد الذي هو كالموت و ( أي ) يوجب القرب الذي هو كالحياة ، فلما حصلا حصلت حالة متوسطة بين الحياة والموت ، وتلك الحالة هي النوم ، والنائم لا بد وأن ينبه و ( ها ) كلمة تنبيه ، فلهذا السبب ختمت حروف النداء بهذا الحرف . 
المسألة الثانية : روي في سبب نزول هذه السورة  أن الوليد بن المغيرة  والعاص بن وائل  والأسود بن عبد المطلب  ، وأمية بن خلف  ، قالوا لرسول الله : تعال حتى نعبد إلهك مدة ، وتعبد آلهتنا مدة ، فيحصل مصلحة بيننا وبينك ، وتزول العداوة من بيننا ، فإن كان أمرك رشيدا أخذنا منه حظا ، وإن كان أمرنا رشيدا أخذت منه حظا ، فنزلت هذه السورة ، ونزل أيضا قوله تعالى : ( قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون    )   [ الزمر : 64 ] فتارة وصفهم بالجهل وتارة بالكفر ، واعلم أن الجهل كالشجرة ، والكفر كالثمرة ، فلما نزلت السورة وقرأها على رءوسهم شتموه وأيسوا منه ، وههنا سؤالات : 
السؤال الأول : لم ذكرهم في هذه السورة بالكافرين ، وفي الأخرى بالجاهلين ؟ الجواب : لأن هذه السورة بتمامها نازلة فيهم ، فلا بد وأن تكون المبالغة ههنا أشد ، وليس في الدنيا لفظ أشنع ولا أبشع من لفظ الكافر ، وذلك لأنه صفة ذم عند جميع الخلق سواء كان مطلقا أو مقيدا ، أما لفظ الجهل فإنه عند التقييد قد لا يذم ، كقوله عليه السلام في علم الأنساب : علم لا ينفع وجهل لا يضر   . 
السؤال الثاني : لما قال تعالى في سورة : ( لم تحرم    ) : يا أيها الذين كفروا ولم يذكر " قل " ، وههنا ذكر " قل " وذكره باسم الفاعل . 
والجواب : الآية المذكورة في سورة " لم تحرم    " : إنما تقال لهم يوم القيامة وثمة لا يكون الرسول رسولا إليهم فأزال الواسطة ، وفي ذلك الوقت يكونون مطيعين لا كافرين ، فلذلك ذكره بلفظ الماضي ، وأما ههنا فهم كانوا موصوفين بالكفر ، وكان الرسول رسولا إليهم ، فلا جرم قال : ( قل ياأيها الكافرون    ) . 
السؤال الثالث : قوله ههنا : ( قل ياأيها الكافرون    ) خطاب مع الكل أو مع البعض ؟ 
الجواب : لا يجوز أن يكون قوله : ( لا أعبد ما تعبدون    ) خطابا مع الكل ؛ لأن في الكفار من يعبد الله كاليهود  والنصارى  فلا يجوز أن يقول لهم : ( لا أعبد ما تعبدون    ) ولا يجوز أيضا أن يكون قوله : ( ولا أنتم عابدون ما أعبد    ) خطابا مع الكل ؛ لأن في الكفار من آمن وصار بحيث يعبد الله فإذن وجب أن يقال : إن قوله : ( ياأيها الكافرون    ) خطاب مشافهة مع أقوام مخصوصين وهم الذين قالوا : نعبد إلهك سنة وتعبد آلهتنا سنة ، والحاصل أنا لو حملنا الخطاب على العموم دخل التخصيص ، ولو حملنا على أنه خطاب مشافهة لم يلزمنا ذلك ، فكان حمل الآية على هذا المحمل أولى . 
				
						
						
