أحدها : وهو أنه قال : ( إنه كان توابا ) على الماضي وحاجتنا إلى قبوله في المستقبل .
وثانيها : هلا قال : غفارا كما قاله : في سورة نوح ؟
وثالثها : أنه قال : ( نصر الله ) وقال : ( في دين الله ) فلم لم يقل : بحمد الله بل قال : ( بحمد ربك ) ؟
والجواب عن الأول من وجوه :
أحدها : أن هذا أبلغ كأنه يقول : ألست أثنيت عليكم بأنكم : ( خير أمة أخرجت للناس ) [ آل عمران : 110 ] ثم من كان دونكم كنت أقبل توبتهم كاليهود فإنهم بعد ظهور المعجزات العظيمة ، وفلق البحر ونتق الجبل ، ونزول المن والسلوى عصوا ربهم ، وأتوا بالقبائح ، فلما تابوا قبلت توبتهم فإذا كنت قابلا للتوبة ممن دونكم أفلا أقبلها منكم ؟
وثانيها : منذ كثير كنت شرعت في قبول توبة العصاة والشروع ملزم على قبول النعمان فكيف في كرم الرحمن ؟ .
وثالثها : كنت توابا قبل أن آمركم بالاستغفار أفلا أقبل وقد أمرتكم بالاستغفار ؟
ورابعها : كأنه إشارة إلى تخفيف جنايتهم أي لستم بأول من جنى وتاب بل هو حرفتي ، والجناية مصيبة للجاني والمصيبة إذا عمت خفت .
وخامسها : كأنه نظير ما يقال :
لقد أحسن الله فيما مضى كذلك يحسن فيما بقي
والجواب عن السؤال الثاني من وجوه :
أحدها : لعله خص هذه الأمة بزيادة شرف ؛ لأنه لا يقال في صفات العبد غفار ، ويقال : تواب إذا كان آتيا بالتوبة ، فيقول تعالى : كنت لي سميا من أول الأمر أنت مؤمن ، وأنا مؤمن ، وإن كان المعنى مختلفا فتب حتى تصير سميا لي آخر الأمر ، فأنت تواب ، وأنا تواب ، ثم إن التواب في حق الله ، هو أنه تعالى يقبل التوبة كثيرا فنبه على أنه . يجب على العبد أن يكون إتيانه بالتوبة كثيرا
وثانيها : إنما قيل : توابا لأن القائل قد يقول : أستغفر الله وليس بتائب ، ومنه قوله : " المستغفر بلسانه المصر بقلبه كالمستهزئ بربه " إن قيل : فقد يقول : أتوب ، وليس بتائب ، قلنا : فإذا يكون كاذبا ؛ لأن التوبة اسم للرجوع والندم ، بخلاف الاستغفار فإنه لا يكون كاذبا فيه ، فصار تقدير الكلام ، واستغفره بالتوبة ، وفيه تنبيه على أن ، وكذا خواتيم الأعمال ، وروي أنه لم يجلس مجلسا إلا ختمه بالاستغفار خواتيم الأعمال يجب أن تكون بالتوبة والاستغفار
والجواب عن السؤال الثالث : أنه تعالى راعى العدل فذكر اسم الذات مرتين وذكر اسم الفعل مرتين ؛ أحدهما الرب ، والثاني التواب ، ولما كانت التربية تحصل أولا والتوابية آخرا ، لا جرم ذكر اسم الرب أولا واسم التواب آخرا .