( وامرأته حمالة الحطب ) .
أما قوله تعالى : ( وامرأته حمالة الحطب ) ففيه مسائل :
المسألة الأولى : قرئ ومريئته بالتصغير وقرئ حمالة الحطب بالنصب على الشتم ، قال صاحب الكشاف : وأنا أستحب هذه القراءة وقد توسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بجميل من أحب شتم أم جميل وقرئ بالنصب والتنوين والرفع . [ ص: 158 ] المسألة الثانية : أم جميل بنت حرب أخت عمة أبي سفيان بن حرب معاوية ، وكانت في غاية العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
وذكروا في تفسير كونها حمالة الحطب وجوها :
أحدها : أنها كانت تحمل حزمة من الشوك والحسك فتنثرها بالليل في طريق رسول الله ، فإن قيل : إنها كانت من بيت العز فكيف يقال : إنها حمالة الحطب ؟ قلنا : لعلها كانت مع كثرة مالها خسيسة أو كانت لشدة عداوتها تحمل بنفسها الشوك والحطب ، لأجل أن تلقيه في طريق رسول الله .
وثانيها : أنها كانت تمشي بالنميمة يقال للمشاء بالنمائم المفسد بين الناس : يحمل الحطب بينهم ، أي يوقد بينهم النائرة ، ويقال للمكثار : هو حاطب ليل .
وثالثها : قول قتادة : أنها كانت تعير رسول الله بالفقر ، فعيرت بأنها كانت تحتطب .
والرابع : قول أبي مسلم : أن المراد ما حملت من الآثام في عداوة الرسول ؛ لأنه كالحطب في تصييرها إلى النار ، ونظيره أنه تعالى شبه فاعل الإثم بمن يمشي وعلى ظهره حمل ، قال تعالى : ( وسعيد بن جبير فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا ) [ الأحزاب : 58 ] وقال تعالى : ( يحملون أوزارهم على ظهورهم ) [ الأنعام : 31 ] وقال تعالى : ( وحملها الإنسان ) [ الأحزاب : 72 ] .
المسألة الثالثة : امرأته إن رفعته ، ففيه وجهان :
أحدهما : العطف على الضمير في سيصلى ، أي سيصلى هو وامرأته . و في جيدها في موضع الحال .
والثاني : الرفع على الابتداء ، وفي جيدها الخبر .
المسألة الرابعة : عن أسماء أم جميل ولها ولولة وبيدها حجر ، فدخلت المسجد ، ورسول الله جالس ومعه أبو بكر ، وهي تقول :
مذمما قلينا ، ودينه أبينا ، وحكمه عصينا .
فقال أبو بكر : يا رسول الله قد أقبلت إليك فأنا أخاف أن تراك ، فقال عليه السلام : " إنها لا تراني " وقرأ : ( وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا ) وقالت لأبي بكر : قد ذكر لي أن صاحبك هجاني ، فقال أبو بكر : لا ورب هذا البيت ما هجاك ، فولت وهي تقول :
قد علمت قريش أني بنت سيدها . لما نزلت ( تبت ) جاءت
وفي هذه الحكاية أبحاث :
الأول : كيف جاز في أم جميل أن لا ترى الرسول ، وترى أبا بكر والمكان واحد ؟ الجواب : أما على قول أصحابنا فالسؤال زائل ؛ لأن عند حصول الشرائط يكون الإدراك جائزا لا واجبا ، فإن خلق الله الإدراك رأى وإلا فلا ، وأما المعتزلة فذكروا فيه وجوها .
أحدها : لعله عليه السلام أعرض وجهه عنها وولاها ظهره ، ثم إنها كانت لغاية غضبها لم تفتش ، أو لأن الله ألقى في قلبها خوفا ، فصار ذلك صارفا لها عن النظر .
وثانيها : لعل الله تعالى ألقى شبه إنسان آخر على الرسول ، كما فعل ذلك بعيسى .
وثالثها : لعل الله تعالى حول شعاع بصرها عن ذلك السمت حتى إنها ما رأته .
واعلم أن الإشكال على الوجوه الثلاثة لازم ؛ لأن بهذه الوجوه عرفنا أنه يمكن أن يكون الشيء حاضرا ولا نراه ، وإذا جوزنا ذلك فلم لا يجوز أن يكون عندنا فيلات وبوقات ، ولا نراها ولا نسمعها . [ ص: 159 ]
البحث الثاني : أن أبا بكر حلف أنه ما هجاك ، وهذا من باب المعاريض ؛ لأن القرآن لا يسمى هجوا ؛ ولأنه كلام الله لا كلام الرسول ، فدلت هذه الحكاية على جواز المعاريض .
بقي من مباحث هذه الآية سؤالان :
السؤال الأول : لم لم يكتف بقوله : ( وامرأته ) بل وصفها بأنها حمالة الحطب ؟
الجواب : قيل : كان له امرأتان سواها فأراد الله تعالى أن لا يظن ظان أنه أراد كل من كانت امرأة له ، بل ليس المراد إلا هذه الواحدة .
السؤال الثاني : أن ذكر النساء لا يليق بأهل الكرم والمروءة ، فكيف يليق ذكرها بكلام الله ، ولا سيما امرأة العم ؟ الجواب : لما لم يستبعد في امرأة نوح وامرأة لوط بسبب كفر تينك المرأتين ، فلأن لا يستبعد في امرأة كافرة زوجها رجل كافر أولى .