( وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين    ) 
قوله تعالى : ( وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين    ) 
اعلم أنه تعالى لما بين بالدلائل التي تقدمت صحة دين الإسلام حكى بعدها أنواعا من شبه المخالفين الطاعنين في الإسلام    . 
الشبهة الأولى : حكى عنهم أنهم قالوا : ( كونوا هودا أو نصارى تهتدوا    ) ولم يذكروا في تقرير ذلك شبهة ، بل أصروا على التقليد ، فأجابهم الله تعالى عن هذه الشبهة من وجوه : 
الأول : ذكر جوابا إلزاميا وهو قوله : ( قل بل ملة إبراهيم حنيفا    ) وتقرير هذا الجواب أنه إن كان طريق الدين التقليد فالأولى في ذلك اتباع ملة إبراهيم  ، لأن هؤلاء المختلفين قد اتفقوا على صحة دين إبراهيم  والأخذ بالمتفق أولى من الأخذ بالمختلف إن كان المعول في الدين على التقليد ، فكأنه سبحانه قال : إن كان المعول في الدين على الاستدلال والنظر ، فقد قدمنا الدلائل ، وإن كان المعول على التقليد فالرجوع إلى دين إبراهيم  عليه السلام وترك اليهودية والنصرانية أولى . 
فإن قيل : أليس أن كل واحد من اليهود  والنصارى  يدعي أنه على دين إبراهيم  عليه السلام    . 
قلنا : لما ثبت أن إبراهيم  كان قائلا بالتوحيد ، وثبت أن النصارى  يقولون بالتثليث  ، واليهود  يقولون بالتشبيه  ، فثبت أنهم ليسوا على دين إبراهيم  عليه السلام ، وأن محمدا  عليه السلام لما دعا إلى التوحيد ، كان هو على دين إبراهيم    . 
ولنرجع إلى تفسير الألفاظ : أما قوله : ( وقالوا كونوا هودا أو نصارى    ) فلا يجوز أن يكون المراد به التخيير ، إذ المعلوم من حال اليهود  أنها لا تجوز اختيار النصرانية على اليهودية ، بل تزعم أنه كفر . والمعلوم من حال النصارى  أيضا ذلك بل المراد أن اليهود  تدعو إلى اليهودية والنصارى  إلى النصرانية ، فكل فريق يدعو إلى دينه ، ويزعم أنه الهدى فهذا معنى قوله : ( تهتدوا    ) أي أنكم إذا فعلتم ذلك اهتديتم وصرتم على سنن الاستقامة . 
				
						
						
