أما قوله : ( وما كان من المشركين ) ففيه وجوه :
أحدها : أنه تنبيه على أن في مذهب اليهود والنصارى شركاء على ما بيناه ، لأنه تعالى اليهود قولهم : عزير ابن الله ، والنصارى قالوا : المسيح ابن الله وذلك شرك . حكى عن بعض
وثانيها : أن إبراهيم عليه السلام ومعلوم أنه عليه السلام أتى بشرائع مخصوصة ، من حج البيت والختان وغيرهما ، فمن دان بذلك فهو حنيف ، وكانت العرب تدين بهذه الأشياء ، ثم كانت تشرك ، فقيل من أجل هذا : ( الحنيف اسم لمن دان بدين حنيفا وما كان من المشركين ) ونظيره قوله : ( حنفاء لله غير مشركين به ) [الحج : 31] ، وقوله : ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) [يوسف : 106] قال القاضي : الآية تدل على أن لقوله : إفحاما له وإن لم يكن ذلك حجة في نفسه لأن من المعلوم أنه عليه السلام لم يكن يحتج على نبوته بأمثال هذه الكلمات بل كان يحتج بالمعجزات الباهرة التي ظهرت عليه لكنه عليه السلام لما كان قد أقام الحجة بها وأزاح العلة ثم وجدهم معاندين مستمرين على باطلهم ، فعند ذلك أورد عليهم من الحجة ما يجانس ما كانوا عليه فقال : إن كان الدين بالاتباع فالمتفق عليه وهو ملة للواحد منا أن يحتج على غيره بما يجري مجرى المناقضة إبراهيم عليه السلام أولى بالاتباع .
ولقائل أن يقول : اليهود والنصارى إن كانوا معترفين بفضل إبراهيم ، ومقرين أن إبراهيم ما كان من القائلين بالتشبيه والتثليث ، امتنع أن يقولوا بذلك ، بل لا بد وأن يكونوا قائلين بالتنزيه والتوحيد ، ومتى كانوا قائلين بذلك لم يكن في دعوتهم إليه فائدة ، وإن كانوا منكرين فضل إبراهيم أو كانوا مقرين به ، لكنهم أنكروا كونه منكرا للتجسيم والتثليث لم يكن ذلك متفقا عليه فحينئذ لا يصح إلزام القول بأن هذا متفق عليه فكان الأخذ به أولى .
والجواب : أنه كان معلوما بالتواتر أن إبراهيم عليه السلام ما أثبت الولد لله تعالى فلما صح عن اليهود [ ص: 75 ] والنصارى أنهم قالوا بذلك ثبت أن طريقتهم مخالفة لطريقة إبراهيم عليه السلام .