( أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى قل أأنتم أعلم أم الله ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عما تعملون )
قوله تعالى : ( قل أأنتم أعلم أم الله ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عما تعملون أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى ) [ ص: 81 ] اعلم أن في الآية مسألتين :
المسألة الأولى : قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم : ( أم تقولون ) بالتاء على المخاطبة كأنه قال : أتحاجوننا أم تقولون ، والباقون بالياء على أنه إخبار عن اليهود والنصارى فعلى الأول يحتمل أن تكون "أم" متصلة وتقديره : بأي الحجتين تتعلقون في أمرنا ، أبالتوحيد فنحن موحدون ، أم باتباع دين الأنبياء فنحن متبعون ؟ وأن تكون منقطعة بمعنى : بل أتقولون والهمزة للإنكار أيضا ، وعلى الثاني تكون منقطعة لانقطاع معناه بمعنى الانقطاع إلى حجاج آخر غير الأول ، كأنه قيل : أتقولون إن الأنبياء كانوا قبل نزول التوراة والإنجيل هودا أو نصارى .
المسألة الثانية : إنما أنكر الله تعالى ذلك القول عليهم لوجوه :
أحدها : لأن محمدا صلى الله عليه وسلم ثبتت نبوته بسائر المعجزات ، وقد أخبر عن كذبهم في ذلك فثبت لا محالة كذبهم فيه .
وثانيها : . شهادة التوراة والإنجيل على أن الأنبياء كانوا على التوحيد والحنيفية
وثالثها : أن التوراة والإنجيل أنزلا بعدهم .
ورابعها : أنهم ادعوا ذلك من غير برهان فوبخهم الله تعالى على الكلام في معرض الاستفهام على سبيل الإنكار والغرض منه الزجر والتوبيخ وأن يقرر الله في نفوسهم أنهم يعلمون أنهم كانوا كاذبين فيما يقولون .
أما قوله تعالى : ( قل أأنتم أعلم أم الله ) فمعناه أن الله أعلم وخبره أصدق وقد أخبر في التوراة والإنجيل وفي القرآن على لسان محمد صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا مسلمين مبرئين عن اليهودية والنصرانية . فإن قيل : إنما يقال هذا فيمن لا يعلم وهم علموه وكتموه فكيف يصح الكلام ؟ قلنا : من قال : إنهم كانوا على ظن وتوهم فالكلام ظاهر ومن قال : علموا وجحدوا فمعناه أن منزلتكم منزلة المعترضين على ما يعلم أن الله أخبر به فلا ينفعه ذلك مع إقراره بأن الله أعلم .